[المحافظة على الجمع والجماعات]
ومن خصائص أهل السنة: محافظتهم على الجمع والأعياد والجماعات، ولا يدعونها لأوهى الأسباب، فهم يحضرون الجمع مع الناس، ويصلون الأعياد والكسوف والاستسقاء والجماعات في المسجد، ويحبون اجتماع الكلمة، ويحضرون الندوات والمحاضرات، ويفرحون إذا كثر الجمع الخيِّر، ولكن المنافقين يغضبون من هذه الجموع، ويرون اجتماعهم أنه سوء وشر وتطرف، وأنه ليس من الخير والحكمة والمصلحة، فانظر! كم الفرق بين الواديين والحسين والمنهجين؟! {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:٢١٣].
فـ أهل السنة والجماعة يحضرون الجمع، قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (٣/ ٢٨٠): ومن أصول أهل السنة والجماعة: أنهم يُصلَّون الجمع والأعياد والجماعات، ولا يدعون الجمعة والجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم، فإن كان الإمام مستوراً لم يظهر منه بدعة -أي: الإمام الذي يصلي بهم- ولا فجور، صليت خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، ولم يقل أحد من الأئمة: إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره.
ولذلك أقول: لا يجوز لك أن تأتي إلى إمام يصلي، وتقول: ما عقيدتك؟! ما دام ظاهره الإسلام فاسكت، فالمستور يُصلى وراءه، ويجاهد وراءه، ويطاع في طاعة الله، ولا نخرج عليه ما لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.
والإمام يُطاع حتى لو كان يشرب الخمر ولو زنى ولو سرق إذا كان له بيعة، لكننا إذا رأينا كفراً بواحاً فلا، وإنما يجاهد معهم ويصلى وراءهم، ويدعو لهم بالصلاح والاستقامة وبحسن البطانة، فهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، ولا يشقون عصا الطاعة، ولا ينثرون الدم، ولا يشوشون ولا يؤلبون الناس، وإنما ينصحون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة! قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم} والحديث صحيح.
وقال أحمد: "لو أعلم أن لي دعوةً مستجابة لجعلتها لإمام المسلمين.
فمن هديهم أنهم يدعون إلى اجتماع الكلمة، ويريدون استتباب الأمور حتى يكون الدين كله لله.
وقد ذكر أهل العلم أن ابن مسعود صلَّى خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد كان أميراً في العراق وكان يشرب الخمر، وفي مرة صلى بهم الصبح أربعاً، قام إلى الثالثة فقالوا: استعنا بالله، وتوكلنا على الله، ثم قام إلى الرابعة، فقالوا: استعنا بالله، يمكن أن الوحي نزل عليه، فلما فرغ من قراءة الفاتحة وقال: ولا الضالين، قالوا: آمين، قال:
من لجسم شفه طول النوى ولعين شفا طول السهر
جسد لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد
ثم التفت! قال: أزيدكم؟ قالوا: ما زلنا معك في زيادة.
انظروا الصلاة ما أحسنها! وهذا في قرن الصحابة، فما رأوا الخروج عليه، قالوا: حفظك الله وهداك وأصلحك، إنما نرفع أمرك لـ عثمان، فرفعوا أمره لـ عثمان، فقال: تعالوا به! فأركبوه على جمل فوصل المدينة، فقال عثمان: يا علي! نفِّذ حد شرب الخمر ثمانين جلدة، وكان علي صاحب المهمات، فهو متدرب على قطف الرءوس، وعلى الضرب رضي الله عنه، يده حامية، أما عثمان ففيه حياء ووقار حتى إنه لا ينظر للناس، أما علي فهو قاطف رءوس الملحدين، يدبغ في الدماء دبغاً رضي الله عنه، ولا يرهب من الحدث، قلبه أقوى من قلب الأسد، فهذا أبو الحسن الذي قيل فيه:
عفاءٌ على دنياً رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج
كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج
قال: قم يا علي! فاجلده، قال علي: قم يا حسن -ابنه شاب- اجلد الوليد، قال الحسن وهذا في صحيح البخاري: ولِّ حارها من تولى قارها -يعني: دع عثمان ما دام تولى الخلافة يتولى مسئوليتها- فتبسم علي، وقال لـ عثمان: اجلده أنت.
فأرسل عثمان فجلد ثمانين، فما خرج أهل السنة على هؤلاء، وإنما دعوا لهم بالصلاح والاستقامة.
ومن هؤلاء: الحجاج بن يوسف فقد صلى وراءه ابن عمر في منى، وكان الحجاج سفاكاً، يلعب في دماء الأمة، سجن مائة ألف، وكانت السجون مكشوفة، مثل سجون جوزيف استالين في روسيا، الذي يقول فيه خالد محمد خالد: فزت حياً وميتاً يـ استالين.
بل خاب حياً وميتاً، إلى النار وبئس المصير!!
فهذه السجون مكشوفة، فإذا اشتد الحر خرج الحجاج يُصلي في المسجد، فإذا سمعوا بمرور الحجاج بكوا وتصايحوا وتضاغوا علَّه يرحمهم، قال: اخسئوا فيها ولا تكلمون.
ومع ذلك صلى وراءه ابن عمر؛ لأن نقض الطاعة بمثل هذه الأمور لا يصح، فالأمر ما وصل إلى هذا الحد، بل يُدعى وتقوم الأمور، فهذا معتقد أهل السنة.
وصلى الصحابة خلف ابن أبي عبيد وكان متهماً بالإلحاد.
وصلوا خلف يزيد بن عبد الملك وكان عنده مولى يسمى قبيحة فسماه الناس عبد قبيحة -أي الخليفة- كان يملأ بركة من العطر والطيب، ثم تضرب القيان له، ويشرب الخمر، ثم يقول: أريد أن أطير، أين أطير؟ قالوا: طر إلى البركة، فطار بثيابه إلى البركة، ولذلك ناصحوه؛ لكنه مات شر ميتة، فقد جلس مع قبيحة يأكل العنب، فنشب العنب في حلقه فغص بها فمات.
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار
فهذا من الأمثال التي مرت في التاريخ.