[اعتزال أهل الباطل]
فلما اعتزلوهم وما يعبدون من دون الله، وهب الله لهم فتحاً مبيناً.
وهم قد اعتزلوهم بأرواحهم، قال الله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} [الكهف:١٦].
عجيب! أصبح الغار في الجبل أوسع من القصور، وأوسع من الدور، والبساتين، والساحات والميادين!! فقصور ليس فيها إيمان، وبساتين ليس فيها يقين وتوحيد؛ مظلمة خاوية ملعونة مسخوط ومغضوب عليها من الله.
أما الغار والكهف والخيمة إذا دخله الإيمان فرحب ووسيع.
سم الخياط مع الأحباب ميدان
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
وأكبر محاولة وأعظم مطلوب عند أهل العقول من أهل الإسلام: أن تكون عبداً لله.
فذهبوا ودخلوا الغار، ولما جلسوا، تبعهم كلب الملك، فالله يريد أن يعلي بصحبة هؤلاء الأخيار الكلب، فالكلب إذا صاحب الأخيار؛ أصبح شريفاً مذكوراً في القرآن، والشريف إذا صاحب الأشرار؛ أصبح كلباً، فدخل الكلب معهم، لكنه ما دخل الغار، ولكنه يحرسهم عند الباب: {والملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب} كما في الحديث الصحيح.
فجلس من أدبه وسكينته عند الباب يحرس هؤلاء السبعة، أما السبعة فألقى الله عليهم النوم.
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف:١٣] أسانيدنا موثوقة ليست من اليهود، ولا من النصارى، ولا من القوانين الأرضية إنما هي من السماء.
سند كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} [الكهف:١٣] شباب قلوبهم متفتحة للا إله إلا الله، وأرواحهم متطلعة للا إله إلا الله، ونفوسهم تحب لا إله إلا الله، ومن الذي رفع لا إله إلا الله في الإسلام إلا الشباب، ومن الذين رفعوا منائر الحق في سيبيريا وفي الأندلس والسند وطشقند إلا الشباب.
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا
فـ أبو بكر شاب وعمر وعلي شاب وعثمان والزبير وطلحة مزقوا في سبيل الله، إما صدِّيق أو شهيد وإما زاهد أو عابد.
فاسألوا التاريخ عنا كيف كنا نحن أسسنا بناءً أحمديا
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} [الكهف:١٣] ما هي مواصفاتهم؟
{آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:١٣] وأنت يوم تقبل على الله، يزيدك هدى، ويوم تدبر عنه؛ يزيدك ردى وبعداً عنه.