كفى تلميعاً للساقطين
وهنا قضايا مع الفنانين:
أولها: يسمون الفنان: الصاعد.
لقد صعد لكن إلى أسفل، ويسمونهم: النجوم! النجوم اللامعة بلا نور، ويسمونهم: أساتذة الاختراع، وشيوخ الإبداع، تحييهم الوسائل صباح مساء وترحب بهم، وتعلن إنجازاتهم، في حين تطفئ أنوار العلماء وطلبة العلم والدعاة.
ما هو مردود الفن على الأمة؟
يا مسلمون!
يا عقلاء!
يا فطناء!
هل رفع الفن عن العالم الإسلامي الفقر، والتخلف، والجوع، والبدع، والخرافات؟!
هل علم الفن الجهلة في الضواحي وفي البوادي؟!
هل أطعمهم من جوع وألبسهم من عري وسقاهم من ظمأ؟
هل نفعت الملايين التي تهدر للفنانين والفنانات في بناء البرادات، والمساجد، والمدارس، والمستشفيات؟!
هل رد الفن فلسطين، والألوف المؤلفة من العرب تتحلق على الفنان الواحد والفنانة الواحدة؟!
هل أعاد لنا الفن أفغانستان؟!
هل رد لنا الأندلس؟!
ماذا فعل بنا الفن؟
هل ملأ الفن مصانعنا بالطائرات؟
وهل ملأها بالبرادات، والسخانات، والثلاجات؟
كلها مستوردة، أكبرها الطائرة وأصغرها الطبشورة، إلا الفن فنصدره إلى غيرنا؛ لأن الأمم مشغولة بالمصانع والإنتاج، ما عندها فراغ لكي تغني، وترقص، وتطبل، ونحن عندنا فراغ ضيعناه في العزف، والرقص على الناي والعود وما يطلبه المستمعون.
فعندنا من الفنانين ما يمكن أن نصدرهم على العالم ويبقى معنا احتياط!
جيش من الفنانين ممن بلغ الثمانين، ولا يزال يعزف على الناي حتى يدخل القبر، وممن هو في الخامسة عشرة، وكل يوم تقول الوسائل: بشرى بالفنان الصاعد الذي خرج إلى النور بفنه وصوته الجميل!!
الصوت الجميل من الذي وهبه؟ من الذي خلقه؟
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} [الأنعام:٢] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر:٦٤] قال مجاهد: [[الصوت الجميل]] فمن هو الذي منح الصوت الجميل؟ إنه الله.
ولمن منحه؟
للعاشقين!! للمسارح! للمغنين!! لا.
بل لحكمة، والصوت منحة كقوة الجسم وقوة الذاكرة والمال والولد، وإذا لم يصرف في طاعة الله فلا خير فيه، وسوف يحاسب عليه العبد، يقول عليه الصلاة والسلام: {ليس منا من لم يتغن بالقرآن} والمقصد أن يصرف صوته الجميل في ترتيل القرآن.
كان أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه جميل الصوت، يسلب الألباب بصوته، فهل جعله عليه الصلاة والسلام يردد قصائد الغزل والمجون؟
لا.
بل جعله قارئاً للقرآن، مر عليه في الليل فسمع صوته، فوقف صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً يستمع له، وقال: {يا أبا موسى! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لصوتك.
قال: يا رسول الله! أإنك كنت تستمع لقراءتي؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
قال أبو موسى: والله الذي لا إله إلا هو يا رسول الله! لو علمت أنك تستمع لصوتي، لحبرته لك تحبيراً} أي: حسنته، وجملته، وجعلته بديعاً.
فالصوت الحسن يصرف في كلام رب الأرض والسموات، والصوت الحسن يرتل به القرآن، ويتغنى بكتاب الله ولا يتغنى بغيره.