للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين]

وعند مسلم في الصحيح مرفوعاً: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ آخرين يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم} وعند الترمذي بسندٍ حسن: {كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون} كلنا أهل خطيئة، ومن أقسم أنه ما أذنب فقد كذب وافترى على الله؛ لأن ابن تيمية يقول: والذنب كالحتم على العبد، مكتوب عليه أن يذنب، لكن يستغفر ويعود إلى الله، فلما علم عليه الصلاة والسلام، أن العبد سوف يخطئ لا محالة، قال: {وأتبع السيئة الحسنة تمحها} إذا فعلت سيئة فافعل حسنة قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤].

وسبب نزول هذه الآية كما في الصحيح، أن رجلاً من الأنصار، نظر إلى امرأة -مجرد نظر- فذهب يبكي ويولول إلى محمد صلى الله عليه وسلم، انظر إلى الأبطال، وانظر إلى من عرفوا طريقهم إلى الله، أخطأ خطأً فشكى حاله إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو مستعد أن يتحمل أي شيء من أجل التطهر من هذه السيئة إما النظرة أو القبلة، ولو ذهبت نفسه من أجل ذلك.

والمرأة تزني وتأتي إلى محمد عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح فتقول: طهرني فترجم بالحجارة حتى تموت وتغمس في أنهار الجنة.

وماعز يقول: طهرني يا رسول الله! فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد ألا يعترف، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يفضح الناس، يقول كما عند الحاكم بسندٍ حسن: {يا أيها الناس! من ابتلى منكم بهذه القاذورات فليستتر بستر الله} فمن السنة أنك إذا ابتليت ببلاء فاستتر وتب إلى الله، فأتى ماعز من أمامه فاعترف بالزنا، فولى الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه لا يريد أن يفضح الناس، ويقول: {ادرأوا الحدود بالشبهات} وهو حديث حسن، فأتى ماعز من على اليمين فكلمه، فمال الرسول صلى الله عليه وسلم عن اليسار برأسه، فأتى من يساره فكلمه.

فقال في الرابعة: {أبك جنون؟ قال: لا، قال: استنهكوه -يعني شموه هل هو سكران قد شرب خمراً؟ - قالوا: ما به بأس، قال: هل أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، فقال: صلى الله عليه وسلم رأيته في الجنة} أو كما قال، إلى غيرها من القصص.

{وجاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو قال: قبلت امرأة فماذا عليَّ؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا أدري ما هي الكفارة} والرسول عليه الصلاة والسلام قال في حياته، لا أدري ثلاث مرات، يقول: {لا أدري تبعٌ نبيٌ أو لا} والحديث صحيح، {ولا أدري هل هو ذو القرنين أو لا} {وهل الحدود كفارات أم لا} ثلاث لا أدري، وصححها كثير من علماء السلف وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني وهو من المتأخرين، قال علي بن أبي طالب: [[من فاتته لا أدري أصيبت مقاتله]] وقالوا: من أجاب الناس على كل سؤال فهو مجنون.

ولا أدري نصف العلم، فعليك بلا أدري إذا لم تعرف، وما عليك من غضب الناس، فإذا سئلت في مجلس، أو في مجمع، وأنت لا تعرف فقل: لا أدري، اسألوا العلماء.

فهنا الشاهد قال صلى الله عليه وسلم: لا أدري!! فأنزل الله عليه بعد ساعات: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] فدعا الرجل وتلا عليه هذه الآية وهذه فتوى، قال له: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] قيل: صلاة الفرائض، وقيل: تنفل في أول الليل وفي آخره، قال: علي هذه -يا رسول الله- خاصة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {بل لأمتي إلى يوم القيامة}.

بشرى لنا معشر الإسلام إنا لنا من العناية ركناً غير منهدمِ

لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ

جئنا متأخرين في آخر الزمن ولكن أول من يدخل الجنة من الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {سمع موسى يوم أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام، بأجور الأمة المحمدية، فقال: يا رب! اجعلني من أمة محمد -منافسة في الخير لما رأى الأجور- قال يا ليتني من أمة محمد} والحديث صحيح.

وصح عند النسائي وأحمد، أن عمر وجد ورقة صفراء في مدراسٍ لليهود -عليهم غضب الله؛ فهم ممن خالف شرع الله فاستبشر بها؛ لأن العرب أمة أمية، ليس عندهم أقلام، ولا مكتبات، ولا صحف، ولا جرائد ولا مجلات، ولا أشرطة، أمة من الصحراء: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:٢].

وفي الحديث: {نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب} فاستبشر بها عمر فقال: سأعطيها الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: خذ يا رسول الله! ورقة من التوراة وجدتها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه، حتى كأن حب الرمان فقئ في وجهه من الغضب، ونظر إلى عمر وقال: {أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! أمتهوكون؟ -يعني: متساقطون في الشريعة- وقيل: أفي شكٍ أنت!! والذي نفسي بيده! لو كان موسى حياً، لما وسعه إلا اتباعي، أما أتيتُ بها بيضاء} يعني: لا نحتاج إلى شرائع من الثقافات ولا إلى علم من غير الكتاب والسنة، وقد فصلا كل شيء من لا إله إلا الله، إلى إماطة الأذى عن الطريق.

وكيفية الاستنشاق والاستجمار، والمضمضة، وكيف تعفي لحيتك، وتأخذ شاربك، وتقلم أظفارك، وتحلق عانتك وإبطك، وبعدها نقول: نريد ثقافة حتى نتوسع في العلوم!!

هذه شريعته عليه الصلاة والسلام، والشاهد أنه لابد للعبد أن يذنب، ولكن الحسنات يذهبن السيئات؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>