[كيفية الشكر]
والشكر يكون بثلاثة أمور؛ فما أتاك من نعمة فواجبك أن تشكرها بثلاثة أشياء، أو بثلاثة مقاصد:
أولها: أن تردد على لسانك: "الحمد لله"، فإنها تملأ الميزان، وإن سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض، ويعجب ربك إلى العبد إذا قال: الحمد لله.
وأول من يدخل الجنة الحامدون الذين يحمدون الله في السراء والضراء، فقد ضاع فرسٌ لـ جعفر الصادق، فقال: والله لئن ظفرت بفرسي لأحمدنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمحامد ما حمدها به إلا أولياؤه وأحباؤه، فلما وجد الفرس، قال: الحمد لله، فقال له أبناؤه: أين المحامد؟ قال: وهل أبقت الحمد لله محامد بعدها؟! ولذلك قال عز من قائل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:١].
فواجبك أن تردد دائماً الحمد على لسانك؛ ليبقي الله عليك النعمة، البس ثوبك إن كنت مسلماً وقل: الحمد لله، وكل طعامك وقل: الحمد لله، واشرب شرابك وقل: الحمد لله، وقم من نومك وقل: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.
وكلما لمع لك لامع من النعمة، أو لمح لك لامح من الجميل فقل: الحمد لله، ليبقي الله عليك النعمة.
ثانيها: أن تعقدها بقلبك، وأن تتصور أن ما أتاك من النعيم إنما هو من الله لا من الناس، وما صرف عنك من العذاب ومن المصائب، إنما صُرف عنك من الله عز وجل.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، في كلام ما معناه: [[إن من النكران أن ينعم الله عليك بنعيم فتقول: هذا بسبب فلان، أو يصرف الله عنك سوءاً، فتقول: هذا بسبب فلان، والله ما أتى من نعيم، ولا صُرف من عذاب إلا بتقدير الله ورحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى]].
أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام فقال له داود في أثناء الكلام: يا رب! بأي لسان أشكرك؟ أنعمت علينا بنعم ظاهرة وباطنة فبأي لسان أشكرك؟
قال الله عز وجل: يا داود! أتدري أن هذه النعم مني؟ قال: نعم يا رب! قال: إن علمت ذلك فقد شكرتني.
قال: يا رب! إني أريد أن أشكرك بالعمل، قال: يا داود! تقرب إلي بما استطعت من عمل.
وفي كتب التفسير أن داود عليه السلام جمع آل داود، وكان عددهم ما يقارب ثلاثين ألفاً، وهم الملوك في بني إسرائيل، فيهم المملكة كابراً عن كابر، ومنهم سليمان بن داود، فجمعهم أعماماً وأخوالاً وأبناءً وأقارب، حتى ملئوا الشرفات في بيت المقدس، فقال داود عليه السلام وهو يبكي: يا آل داود! إن الله أنعم علينا نعماً ظاهرة وباطنة، فعليكم بطاعته، فوالله إن لم تطيعوه ليسلبنها الله منكم.
قالوا: ماذا نفعل؟ قال: قسموا ساعات الليل والنهار، فليكن منكم في كل ساعة من ليل أو نهار مصلون وصائمون وذاكرون ومستغفرون، فقسم عليهم الساعات في الليل والنهار، فكان قوم منهم يسبحون، وقوم يستغفرون، وقوم يصلون، وقوم يصومون، فقال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] وقليل من الناس من يشكر الله.
فالأمر الثاني: أن تعتقد أنها من عند الله، وأن ما ساق الله لك من نعيم، إنما هو بقضائه وقدره، ولم يسقه لك أحد من الناس، فو الله {لو اجتمع الناس على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} فالقضاء والقدر من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثالثها: أن تظهر آثار النعمة عليك، بالعمل وبالتجمل، فإذا أنعم الله عليك بنعمة، فإنه يحب أن يرى أثرها عليك، فإذا أنعم عليك بمال فالبس من الجمال ما يري الناس أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قد أنعم عليك بنعيم، ولا تزري بربك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا تشكوه بثيابك، أو بملبسك، أو بمسكنك، أو بمركبك، فكأنك تقول: لم يعطني الله شيئاً.
والله يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١١] أي: بلسانك وبفعلك.
ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه} والواجب عليك أن تستغل هذه النعمة في مرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وأن يستغلنا بنعمته في طاعته، وأن يجعلنا ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، والحمد لله رب العالمين.