[إثبات صفة الحياء لله عز وجل]
أما بالنسبة للسؤال الثاني: هل يطلق الحياء على الله عز وجل؟
جاء عند الترمذي وابن ماجة وأبي داود والحاكم وصحهه من حديث سلمان قال عليه الصلاة والسلام: {إن الله يستحي من أحدكم إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً} في لفظ: {إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} سبحان الله! يستحي منك الله إذا رفعت يديك إليه أن يردهما صفراً, لا يرد لك طلباً، وهو يستحي منك وأنت لا تستحي منه!
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وورد في الحديث: {إن الله يستحي أن يعذب ذا شيبة في الإسلام} فنطلق هذه الصفة على الله ونقول: له حياء يليق بجلاله, لا نكيفها، ولا نشبهها، ولا نمثلها، ولا نعطلها.
وقد ورد في الحديث الصحيح: {إن الله يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً} فلابد أن يرد الله في يديك شيئاً, فأكثر من سؤال الله, ومن الالتجاء إلى جنبات الواحد الأحد.
لا تسألنَّ بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
والفرق في هذه المسألة بين الخالق والمخلوق: أن المخلوق إذا سألته غضب عليك، ولذلك جاء عند ابن ماجة بسند صحيح: {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ قال: ازهد في الدنيا يحبك الله, وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} فلا يحبك الناس إلا إذا زهدت فيما عندهم, ولا يحبك الله إلا إذا سألته.
وأحب الناس إلى الله أكثرهم مسألةً ولجوءاً ودعاءً، وإذا رأيت العبد يرفع يديه دائماً، ويقول: يا رب يا عظيم يا كريم يا إلهي فاعلم أنه قوي الإيمان.
واللجوء إلى الله من أعظم ما يمكن أن يقرب العبد من الله, قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] وقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:٥٥] وقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].
إنه ليوجد من البدو مؤمن موحد يعرف الله والدار الآخرة, ويوجد من المثقفين ملحد زنديق رعديد، يحمل الشهادة الجامعية ولكن عقله عقل حمار! قال تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:٦٦] وقال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧].
ويوجد في أهل البادية من يحافظ على الصلوات الخمس، ومن يصلي في الليل ويدعو الله ويبكي، ويوجد من طلبة العلم من بلغ درجة البرفسور أو الأستاذ المشارك وهو لا يحافظ على الجماعة، ولا يتلو القرآن، ولا يعرف الواحد الديان!