الحمد لله رب العالمين؛ ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أمَّا بَعْد:
أيها الإخوة الكرام! فإن قصص التوبة والإقبال على الله عزوجل تملأ التاريخ، ومن يقرأ سير الصحابة والسلف الصالح يجد كل واحدٍ منهم مر بفترتين في الغالب؛ فترة الإعراض والظلام وفترة الإقبال على الله.
ومما حُفِظ عن شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- أنه قال: لا بد لكل عبدٍ أن يولد مولدين اثنين: المولد الأول: يوم أتت به أمه، وهذا يشترك فيه الناس حتى البهائم، فإن كل مخلوقٍ له هذا المولد، ويعيش هذه الحياة، ويحس بهذا الميلاد الكافر والمؤمن البهيمة والدابة الطائر والحشرة، كلهم يولدون هذا المولد.
أما المولد الثاني: فلا يذوقه إلا المؤمن، ولا يحسه إلا المؤمن؛ وهو الميلاد الثاني الذي ذكره سبحانه بقوله:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ}[الأنعام:١٢٢] ما معنى ذلك؟ هل معناه: أنه كان ميتاً لا يتحرك، ولا يأكل، ولا يشرب؟ لا.
إنما معناه: أنه كان ميت القلب والإرادة والعزيمة، ميت السير إلى الله، يأكل ويشرب؛ ويُطَبِّل ويُزَمِّر ويُغَنِّي؛ ويتمرد ويفسق، لكنه ميت، قال الله:{فَأَحْيَيْنَاهُ}[الأنعام:١٢٢] أي: بالإيمان، {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[الأنعام:١٢٢] أي: بالعلم، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[الأنعام:١٢٢] فالميلاد الثاني قال: هو ميلاد الإنسان في الإسلام، يوم يخلع كل شرك وشبهة ونفاق ومعصية ويأتي فيسلم نفسه إلى الله، ويشتري نفسه من الله، ويعتق رقبته من النار، هذا هو الميلاد الثاني، وهذا الميلاد ذاقه الصحابة رضوان الله عليهم ولا يزال كثير من الناس يعيشونه في هذا العصر وبعد هذا العصر.
سلامٌ على التائبين جملةً الذين عرفوا الطريق إلى الله.
أحد العلماء في مدينة الرياض حدَّثنا بقصة وقعت لقريب له؛ هذا القريب يقول: كان جندياً من جنود إبليس.
وكنت امرءاً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي
يقول: كان متمرداً على الله حتى وصل الحال به إلى أن دعت عليه أمه بالهلاك، وأن يريح الله العباد والبلاد منه.
يذهب في الليل فلا يأتي إلا في ساعة متأخرة، يأتي وهو محشوٌ من حبوب المخدرات ومن السكار والخمر، أما المسجد فما دخله أبداً، وربما لو دخل المسجد لنجسه.