للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بلاؤه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أجل (لا إله إلا الله)]

لمن قالها الله؟ ومن الذي قالها؟ ولمن تقال؟

أما الذي قالها فهو الحي القيوم، قالها من فوق العرش، ونزل بها جبريل وكتبت في القرآن، قالها الله لمحمد عليه الصلاة والسلام، يا محمد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩].

إذا رأيت الأعداء والدنيا والمغريات والباطل، فاعلم أنه لا إله إلا الله، يا محمد! قبل أن تدعو الناس وقبل أن تلبس ثيابك وتذهب لمنصبك وتزاول وظيفتك وتحرث بمحراثك: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩].

يا محمد! يوم يسقط رأسك ورأس كل فرد من أمتك على الأرض، لتسقط رءوسكم على لا إله إلا الله، قالها الله لمن؟ لأزكى الخلق، ولأبر الناس، الذي كان يقطع ليله بالدموع والبكاء من خشية الله، وحفظ لا إله إلا الله، كان يعيش بها في الليل والنهار، كان يشرب ويأكل وينام بلا إله إلا الله، ضرب بالسيوف وأوذي وهو يقول لا إله إلا الله، دخل الغار وافتقر وذبح أصحابه، وكسرت رايته مرات، وقُتل محبيه وماتت بناته، وجاع وعري وهو يقول: لا إله إلا الله.

قال له أهل الباطل: نعطيك مالاً حتى تكون أغنى الناس، وتزوج أجمل فتاة واترك دعوتك، نجعلك سيداً علينا واترك دعوتك، فماذا قال العظيم؟ ماذا قال الزعيم؟ ماذا قال الرائد؟ ماذا قال الواثق من دعوته؟

تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر

أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا التاريخ أنت المحرر

ماذا قال؟ قام قائماً كما يقوم الأبطال وهو سيد الأبطال، وكما ينهض العظماء وهو أكبر العظماء، وكما يثبت الشرفاء وهو أشرف الشرفاء، قام ودمعت عيناه وقال: {والذي نفسي بيده لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله}.

فالمسألة مسألة عقيدة، فالله بلغه ما تمنى، يقول الله له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧] إن لم تفعل فما بلغت دينه، ولن تحمل شريعته، ماذا فعل؟ أخرجوه من بيته، طوقه خمسون شاباً بالسيوف يقطر منها الموت، فخرج يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:٩] وأخذ حفنة من التراب، ونثرها على الكفر والوثنية، وعلى كل عميل فدخل كل التراب في عيونهم فخسئوا وخابوا، وخرج منصلتاً مثل السيف وأقوى من الفجر إلى الغار، ولحقوه في الغار، وأرادوا أن يدخلوا إلى الغار وليس معه سلاح، ولكن سلاحه لا إله إلا الله، ولا معه رماح ولكن رماحه لا إله إلا الله، ولا معه دروع ولكن دروعه لا إله إلا الله، طوقوا الغار وأرادوا دخوله فأرسل الله العنكبوت فبنت بيتها في فم الغار، وأرسل الحمامة فبنت عشها وباضت في فم الغار، فأتى الكفار بالسيوف فرأوا عش الحمامة وبيت العنكبوت فقالوا: ما دخل محمد هنا.

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم

عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم

مولاي صلِّ وسلم ما أردت على نزيل عرشك خير الرسل كلهم

الله أكبر يا للعظمة ويا للقوة ويا للنفاذ فخرج المشركون وصعدوا على رأس الغار، فقال أبو بكر وهو يرتعد: {يا رسول الله: والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا} فيتبسم عليه الصلاة والسلام، تبسم العظيم، الزعيم الشجاع.

والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير

يقول: {يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا}.

رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب

<<  <  ج:
ص:  >  >>