للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التخصص وأهميته]

الوقت عندنا رخيص يصرف بدون ثمن، تجد الناس يحرصون على الدراهم والدنانير، هل رأيت من حين خلقك الله عشرة ريالات في الطريق وأنت تمشي؟ الآن لو نظفت أبها في هذه الليلة من أولها إلى آخرها ما عثرت على ريال واحد في الطريق، بينما تجد من يقضي الساعات الطوال في غير طائل، وفي غير طاعة وذكر.

والوقت -يا أيها الإخوة- أغلى من الذهب والفضة، وهو الحياة؛ فحذار حذار من ضياعه، اعلموا أن الله خلقنا وإياكم بصفات كل صفة لا تشابه صفات الآخرين، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها، وهي كلام لـ علي رضي الله عنه ولو أن بعض العلماء رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويغنينا حديث الترمذي: {لا يكون أحدكم إمَّعة} نحن الذين في الصالة عددنا يقارب مائة وخمسين إلى مائتين، اعلموا أنه لا أحد منا يشابه الآخر في صفاته جميعا أبداً، ومنذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة لا تجد اثنين يتشابهان في الصفات والمقومات والخصائص: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:١٤٨] {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:٦٠] {كل ميسر لما خلق له} فانظر استعدادك للدعوة وهل تريد أن تكون خطيباً أو أنك مؤهل لتكون كاتباً، ولذلك تجد بعض الشباب يقحم نفسه في أمور ما خلق لها أصلاً، ثم لا يكشف ذلك إلا في سن الثلاثين، فالشاب يريد أن يكون مفتياً وخطيباً وأديباً وكذلك داعية، فإذا وصل إلى الثلاثين تبين له أنه لا يستطيع أن يخطب ولا يستطيع أن يؤلِّف ويستطيع أن يفتي.

تعال اليوم إلى بعض المفتين في بلادنا ودعه يعظ الناس ربما لو تلكم ساعتين ما بكت عينك، لأنه ليس بخطيب، تعال إلى بعض الخطباء في أصقاع العالم الإسلامي يريد أن يفتيك في مسألةٍِ فلا يستطيع.

الرسول صلى الله عليه وسلم آمن بهذا وجعله منهاجاً لأصحابه، فـ خالد بن الوليد، لا يفتي في الفرائض، وما سمعت في حياتي أن خالد بن الوليد شارك في مسألة، لم يقل للجدة كذا، ولا لبنت الابن كذا، ولا لابن الابن، شارك في قتل بعض النفوس، وفي فصل الرءوس عن الأكتاف، فإذا ذبح الكفار ترك الميراث والتركة لـ زيد بن ثابت يقسمها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أفرضكم زيد} وخالد بن الوليد سيف سله الله على المشركين، وعلي بن أبي طالب قاض، ومعاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام، حسان، هل سمعت أن حسان يفسر القرآن، كيف يدخل الجنة حسان؟ يدخل بطريق القافية، والشعر الجميل:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد

فأنا أقول -أيها الإخوة! - من أجاد منكم في باب، ومن نفع الله به الدعوة في باب، فليمسك هذا الباب وليحرص على تنمية موهبته، أنا أعرف بعض الإخوة خطاطين -مثلاً- أنا أوصي الخطاط أن ينظم وقته، وأن يكون له وقت محدد لهذه الموهبة التي فتح الله عليه بها، لينفع الإسلام من هذه الطريق، أحد الإخوة شاعرٌ فلا يميت هذه الموهبة، باب فتحه الله عليك لا تغلقه، اشتغل بهذه الموهبة لكن لا تجعلها تأخذ عمرك، وعليك بتنسيق كلماتك، وحاول أن تطالع وتقرأ حتى تكون شاعراً يخدم لا إله إلا الله محمد رسول الله.

بعض الإخوة خطيب؛ فعليه أن يتصدر ويخطب وأنا أقترح على المركز وربما فعل ذلك أن تكون هناك حصةٌ لأهل المواهب، تسمى حصة المواهب، محاضرة ودرس عام، فيصنف الشباب في كل فصل إلى أهل المواعظ وأهل الأدب وأهل التحصيل المبرزين، وأهل الخط.

وهناك قضية أخرى، ولا أظنها في هذا المركز وأنا قد شاركت في بعض المراكز فوجدتها فيه: فالنشارة والنجارة مضيعة للوقت، نحن لا نريد نجارين وخشابين، نحن دعاةٌ وطلبةُ علم، يبقى الواحد يصنع دولاباً في شهرٍ فيضيع القرآن والحديث، وتسمع الأصوات وكأنك في منجرة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، وهذا ينصب الخشب وهذا يسحب المنشار، ويقولون: (مهنة في اليد أمان من الفقر) قلنا: لماذا؟! قال: الإسلام دين علم، دين نجارة، ودين خشابة، ودين نظافة، ودين خبازة، وهذا فن، لا.

أنتم تعرفون ونحن نعرف أن المراكز الصيفية اشتغلت كثيراً بهذه الدواليب، وأنا أقول: الحمد لله والشكر لله نذهب إلى المنجرة ونشتري دولاباً بخمسين ريالاً، ولا نشغل الشاب شهراً كاملاً ويخرج نجاراً، لا نريد هذا، وكذلك الاعتناء بالخياطة.

أما صنع الطعام فإلى الآن ما رأيت شيئاً، ولو أنهم في المدارس الابتدائية يعلمونهم صنع الطعام، أحضر حفنة من البيض مع قليل من الزيتون مع قليل من الملح مع أشياء أخرى! هذا للنساء ليس للرجال، فاقتراحي أن يكون في المركز أهل المواهب، فكل من عنده موهبة ننميه ونلاحقه ويكون له درس محدد حتى نخرج للناس، الأمة لم تخرج خطباء، كل الخطباء الموجودون بجهدهم الشخصي، لكن في بعض البلدان مثل تركيا عندهم معهد الخطباء، وهناك معهد الأدباء، ومعهد الخطاطين، والواجب أن نقوم بهذا نحن أنفسنا فنعتني بهذه المواهب ونركز عليها، ثم لا نزدري موهبة الآخر، وبعض الناس يجمع الله له مواهب يضرب في كل غنيمة بسهم، فتجده أديباً، كاتباً، خطاطاً، مؤلفاً، مفتياً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>