[تعليق على الأحداث في الجزائر]
السؤال
وردت أسئلة كثيرة تطلب الحديث الشافي في أحداث الجزائر، هذا السؤال خلاصة أسئلة كثيرة تواردت إلى الشيخ حفظه الله؟
الجواب
الحمد لله, الجزائر وأحداثها:
دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه صدق وحق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
الجزائر حديثها وأحداثها طويلة، ولكن حق على أهل العلم والدعوة، أو من يحمل ميثاقاً أن يبين، وألا يخشى في الله لومة لائم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:١٥٩] وأحب أن أعرض المشكلة في الجزائر في مسائل:
أولها: المسلمون والدعاة والعلماء الذين يقومون بالدعوة إلى الله اليوم في الجزائر هم من أهل السنة والجماعة، من مدرسة الإمام عبد الحميد بن باديس التي تلقت مشربها من مدرسة الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم , والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا نأخذ أخبارنا من وسائل أخرى فقد غسلنا أيدينا منها، بل نأخذ أخبارنا من أهل العلم، من الثقاة، والدعاة، ومن كتبهم الذي ألفت ومن أشرطتهم.
الثاني: لماذا ضحى الجزائريون بمليون من شهدائهم وأكثر؟! ألتترأس هذه الأنظمة العلمانية الأمة؟! ألتقودها إلى النار؟! ألتؤسس الجريمة في الأرض؟! ما الفرق بين فرنسا وبين عملائها الموجودين الآن؟ فلماذا إذاً قاتلوا؟ ولماذا دفعوا دماءهم؟
ثمن المجد دمٌ جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا
الثالثة: لماذا ألغيت الانتخابات؟
أناس يزعمون أنهم هم أهل الديمقراطية، ويتبجحون بها، ديمقراطية ولكن عند المسلمين والدعاة: لا، وقام المشرق والمغرب تحت مظلة: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠] وكما قال الشيخ عبد الوهاب الناصر: الديمقراطية سلم رسمت درجاته بحيث لا يصعدها إلا هؤلاء المتهالكون من الماركسيين والشيوعيين، ولا يستطيع الإسلاميون والمسلمون الصعود إليها.
وهذا هو الواقع, ديمقراطية لكن إذا وصل الإسلام, قالوا: لا.
الأمر الرابع: لقد أثبتت الأحداث في الجزائر والتصويت بأغلبية ساحقة أن الشعوب تريد الإسلام، وقد ملت الكذب على الله وعلى كتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين، وقد نفرت كل النفرة من هذه الزمرة التي جوعتها وآذتها، وصادرت حريتها وكرامتها، وتعبدتها لنفسها، وفصلت بينها وبين خالقها وربها.
ولو أجري تصويت في العالم الإسلامي لكان تسعون في المائة من هذه الشعوب تريد حكم الله، نظرت فيلماً للجزائر لمسيرة جبهة الإنقاذ , هل رأيت البحر إذا اشتد موجه؟ هل رأيت السيل إذا تدافع؟ هم أقوى وأدهى، تصور في بعض المسيرات سبعمائة ألف امرأة محجبة مسلمة، يخرجن في مسيرة بعد صلاة الجمعة يردن الحجاب، أليس هذا هو الواقع الذي فرض نفسه عن أمة تريد الله والدار الآخرة؟ بلى.
ثم أسأل سؤالاً في أحداث الجزائر , يقولون: إن قصدهم بالدين التستر، يعني: أن الجزائريين وأمثالهم يتسترون بالدين ولا تقع المقارع أصلاً إلا في رءوس المسلمين، وأصلاً لا يتهم إلا الإسلاميون، ولا يسجن ولا يعذب ولا يشنق إلا هم، فيتسترون بالإسلام.
وأصلاً غطاء الدين مكشوف في العالم، وهو متهم، ولو وقعت قذيفة من كافر ما وقعت إلا في صدر مسلم.
ثم ما هي المكاسب المادية والدنيوية التي يحصل عليها من يتقلد الدين؟
إنه لا يعين في البلاد الإسلامية إلا في أرخص الوظائف، ولا يتاح له تحريك القرار، ولا الصدارة، ولا مكانة تشريف، وإنما يبقى بكسرة خبز وبهندامه، وبجوعه, وفقره، وبدمعه في جفونه يحمل لا إله إلا الله، وهم المستضعفون في الأرض.
ولذلك جاء عليه الصلاة والسلام للمستضعفين، وأحبه المستضعفون، وعشق دعوته بلال، وعمار، وسلمان، وذهبوا في كتيبته، يقول هرقل: أشرفاء الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قال: ضعفاؤهم، قال: أولئك أتباع الرسل.
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨].
أيضاً أقول: لا يحزنكم ما يقع من أحداث سيرها الله وأرادها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالله غالب على أمره، وله حكم تخفى علينا، يمكن أن الأمة ما نضجت إلى الآن، وما استحقت أن تتقلد حكم الله في الأرض، فأراد ربك أن يؤدبها ويحاسبها، وأن يرفع منزلتها، ويلقنها دروساً.
أيضاً: لسنا بأغير من الله عز وجل على عباده، فله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الحكمة المطلقة، وهو الغيور سبحانه، أغير من رسوله على الأمة الإسلامية، ورسوله أغير من الصالحين عليها.
أيضاً: أقول وأختم هذا الكلام: الإسلام هو الآن الحل الحضاري البديل في الساحة، فقد انهارت كل المزاعم الباطلة والكاذبة، وأخرج الله اللعنات على وجوه أصحابها، وأحرقت، وبقي الإسلام: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:١٧] فالآن المهندسون الذين كانوا يسيرون الذرة تحت الأرض في مناجم في أذربيجان وجورجيا خرجوا بلحاهم المحمدية السنية، ويقولون: لا إله إلا الله، كانوا في سور حديدي يضربون بالمقارع، ويعاملون كما تعامل الدواب، ومع ذلك أدخل الله الإيمان في قلوبهم، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {والذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه} والحديث طويل وطويل، وأختمه بأن أقول: أين الولاء؟: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١].
وأما المنافقون فهم كالبهائم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:٦٧] أجزاء مترابطة، أما الولاية والشعار والحب فللمؤمنين.