للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أخبار ابن الفارض]

أحد هؤلاء الموسوسين المهلوسين وهو ابن الفارض حضرته سكرات الموت، فرأى أهوالاً في سكرات الموت فقال:

إن كان منزلتي في الحب عندكم ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي

أمنية ظفرت نفسي بها زمناً واليوم أحسبها أضغاث أحلام

يقول: كنت أظن أنني مهتدي وأنا ضايع: قال تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] يقول أهل العلم: بدا لهم في سكرات الموت.

ويقول بعضهم: بل بدا لهم في القبر.

وقال فريق من أهل العلم: بل بدا لهم في الآخرة، وأنا أظن والله أعلم أنه بدا لهم في سكرات الموت، فإن الله يظهر للفاجر فجوره وللموحد توحيده.

وكان ابن المبارك وهو في سكرات الموت يتبسم قالوا: مالك يا أبا عبد الرحمن تتبسم؟ قال: لمثل هذا فليعمل العاملون، وهي بشرى المؤمنين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:٣٠] قالوا: عند سكرات الموت، وهي بشرى المؤمن، تقول له الملائكة: لا تخف ولا تحزن، وأما الفاجر والملحد والمتهتك، فتقول له الملائكة: ويلٌ لك، ويل لك يا عدو الله، فيأتيه الحزن والرعب، ويأتيه قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧].

ذكر وكيع في كتاب الزهد أن ابن عمر قرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] فبكى حتى كادت أضلعه تختلف، قالوا: مالك يا أبا عبد الرحمن، قال: أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الإيمان، ونعوذ بالله أن يظهر لنا ما لم نكن نحتسب وما لم يكن ببالنا يخطر.

إن المؤمن في هذا العصر الفاسد المفسد على خطر عظيم، ولولا الله ثم هؤلاء الأخيار الأبرار الذين يحفظ بهم البلاد وأمنها وسكينتها ورشدها وإسلامها، لذهبت الأمة سدى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>