[غرس الفضائل في نفسه]
ومن الآداب: غرس الفضائل في نفسه
اسمعوا إلى مقطوعة شعرية من أجمل ما سمعت في الأدب العربي، يقولها أحد الشعراء ذاكراً فيها كيف تربى هو على الفضائل، الرجل هذا اسمه المقنع الكندي مسلم، كان يستدين الدين، ويسد حقوق قرابته وينفق عليهم، فكان قرابته دائماً يعيرونه بالدين ويقولون: أنت دائماً مديون مديون! أنت دائماً ذليل لنا! ليس عندك منعة! قال يعتذر إليهم -يقال هذا من باب غرس الفضائل-
يعيرني بالدين قومي وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
أسد ما قد أضاعوا وضيعوا حقوق أناس ما استطاعوا لها سدا
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا
يقول: أنا وإخواني وأبناء عمومتي بيني وبينهم فرق.
كيف؟ قال:
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
يغتابونه وهو لا يغتاب، يذمونه وهو لا يذمهم، يقطعونه وهو يصلهم، يحرمونه ويعطيهم، لا يزورونه ويزورهم، يهينوه ويكرمهم، هذه أخلاق النبوة!
إذا هتكوا عرضي حميت عروضهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
يقول: أنا إذا نزل الضيف تحولت من حر إلى عبد، هذه أخلاق المؤمن، كان حراً بطلاً، ولكن لما دخل الضيف تحول إلى عبد بحفظ الله ورعايته، يقدم الطعام والشراب والفراش هذه أشرف الأخلاق؛ ولذلك قال بعض البلغاء: كن حراً في كل موقف إلا إذا نزل بك الضيف فكن عبداً، أنا حر دائماً إلا في الضيافة فإني عبد للضيف، وهذا من أحسن ما يقال في خدمة الضيف! خاصة للمسلم.
هذه مسائل في تربية وغرس الفضائل في النفوس، ولا تأتي -يا معاشر الأحباب- إلا بأن يكون الأب قدوة لأبنائه، كيف يصدق الابن وأبوه كذاب؟ كيف يصلي الابن وأبوه لا يصلي؟ كيف يفي وأبوه خائن؟ هذا لا يكون، والابن أول ما ينظر ينظر إلى أبيه، ولذلك تجده يتأثر، فإنه تحت السابعة كالبغبغاء يقلد ما تقول تماماً، ولذلك أنطقه على لا إله إلا الله ولا تنطقه -والعياذ بالله- على اللعنة أو على الكلام البذيء الذي يغضب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.