[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:١٧] ميزتنا نحن عسكريون ومدنيون، كباراً وصغاراً رجالاً وإناثاً، أنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ويوم يبلغ بالإنسان أن يموت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قلبه يتبلد إحساسه ويصبح كالبهيمة، ويموت تماماً، والذي تموت الغيرة في قلبه معناه أنه ليس عنده لله وقار ولا مكانة، قال سبحانه وتعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩] والله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].
الأمر بالمعروف واجب عليّ وعليك، فليس هناك هيئة خاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس هناك فئة أو كيان يجب عليها وحدها فقط أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أنا وأنت جميعاً إن لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؛ فإنا معرضون لغضب الله وسخطه وعذابه.
الرجل في بيته، والمرأة في بيتها، والأستاذ في مدرسته، وكذلك العامل والموظف والفلاح والتاجر إنها رسالتنا، لكن انظر إلى واقعنا يوم تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصبح أهل المعصية أكثر، وأصبحت لهم الصولة والجولة، وأصبحت لهم المكانة، وأصبح الإنسان ما يستحي أن يعرض بضاعته من اللهو واللغو.
بالله عليكم في عهد السلف الصالح، هل يستطيع أحد أن يأتي بأدوات الغناء على مستواهم القديم في المدينة المنورة في جانب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبيعها ويعرضها للناس، هل يستطيع أحد أن يفتح مكاناً ويحلق لحى المسلمين، يقول أحد الدعاة: رأيت صالون حلاقة اسمه صالون النشامى، والنشامى هؤلاء معناهم الأبطال، يعني: حلق لحى النشامى، هؤلاء كم هم أبطال، وكم هم أخيار، وكم فيهم من الرجولة هؤلاء النشامى الذين جعلوا لحاهم تحت الأقدام!
ويقول: رأى في صالون آخر صالون اللحية الغانمة، ولعلكم تسمعونها في شريط أطب مطعمك، يقول: صالون اللحية الغانمة، ما لها من لحية ليس فيها من الغنم شيء! وإنها -والله- بعيدة من الله.
إنما أقول: سُكِتَ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحن نقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللين وبالحكمة وبالموعظة الحسنة وبالكلمة المؤداة.
تصور لو أن عاص من العصاة كصاحب من يروج الأغاني يمر عليه عشرون أو ثلاثون مني ومنك ومن الناس يقولون: اتق الله، الغناء حرام فقط، ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس إلى أن يبلغ العدد عشرين في يوم؛ أما يعود في البيت ويسأل نفسه ويقول: عشرون أو ثلاثون مروا عليّ اليوم كل يقول: اتق الله اترك الغناء، أجل حدث شيء، والناس كلهم يخالفوني إذاً أتوب إلى الله.
ولكن نرى المعاصي واستمرأناها، وآكلناهم وشاربناهم وجالسناهم وأصبحت هذه من الخفيفة، حتى إذا نهيت عن بعض الأمور؛ كأن ترى الإنسان يشرب باليسرى فتقول: لا تشرب باليسرى، فيقول لك زميلك: يا أخي! أولاً: خلِّ حالك في شأنك، الأمر الثاني: نفسك نفسك، ثالثاً: يا أخي! ما تعرفون دائماً إلا الشرب والأكل بالشمال واليمين، كلها واحدة والأمر فيه سعة.
وإذا قلت له في اللحية قال: ما تعرفون إلا اللحى دائماً وتقصير الثياب والقضية أكبر من تقصير الثياب، فالقضية قضية إسلام، حتى يضيع الدين ويصبح مقطعاً ممزقاً بين يدي هؤلاء الذين لا يعرفون سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتصوروا الإسلام.
ويقول بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:١٧] وهذا فيه حرارة يقول:
أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح
إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والنجاح
معناه أنه يذوق حرارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: واصبر على ما أصابك، سوف تضرب أو تؤذى أو تسب، أو تجرح، فاصبر على ما أصابك.