يقول تعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:١٢] قال أهل العلم: أي بحزم وجد وصرامة، وهي جدية الالتزام في أخذ التلقي من الكتاب والسنة؛ لنكون أمة جادة في أخذ تعاليمها من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب:٢١] فهو كتابٌ يتكلم، ونبي يترجم، ولو كان الكتاب يكفي لنزل ووزع نسخاً على الناس، ولو كان الرسول يكفي بلا كتاب لتكلم بما في ذهنه، ولكن:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}[النجم:٤ - ٦] فإمامنا وقدوتنا محمد رسول الله.
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
فهو صلى الله عليه وسلم معصوم، حتى يقول الإمام مالك لتلاميذه وهم يعرضون عليه الأقوال: كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام وقال الإمام أحمد لما سئل: يا أبا عبد الله! أيهما أفضل: التبتل أو الزواج؟ والله عز وجل يقول:{وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ}[آل عمران:٣٩]؟ أي: يحيى.
فيمدح الله يحيى، ويقول: سيداً، أي: الذي اكتملت فيه المروءة والسؤدد، وحصوراً أي: لا يأتي النساء.
قال ابن عباس: لم يكن مع يحيى إلا مثل هذا -يعني: آلة الجماع- ورفع شقصاً من الأرض.
فهذه الآية تدل على أن التبتل أفضل، قال الإمام أحمد: لا.
يقول الله عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}[الرعد:٣٨] فقال السائل: إن إبراهيم بن أدهم يقول: ترك الزواج أفضل، فقال الإمام أحمد: أوه! وقعنا في بنيات الطريق، عليك بالمشرب الأول أي بمحمد عليه الصلاة والسلام، فإذا ما أتى الدرهم على سكته مختوماً بخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وإلا فهو درهم زائف لا يباع به ولا يشترى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، فالله جعل القدوة به.