للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين عمر بن عبد العزيز والقاهر العباسي]

حفظ الله عز وجل كثيراً من الناس في أعمارهم، كالصالحين جميعاً والرسل عليهم الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين، ومنهم على سبيل المثال ولا أذكر الكثرة الكاثرة، لكن أذكر من المتأخرين عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الزاهد العابد، حضرته الوفاة وأطفاله ليس عندهم من المال شيء، خليفة أنفق المال في سبيل الله، فجمع أبناءه، قيل: كانوا سبعة أو ثمانية، وبالبنات كانوا أربعة عشر، فدمعت عيناه وقال: يا أبنائي ما خلفت لكم مالاً، خلفت لكم الواحد الأحد: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:١٩٦] ما تركت لكم مالاً، إن كنتم طائعين فسوف يحفظكم الله، وإن كنتم عصاة فما تركت لكم ما تستعينون به على المعصية.

هذا اجتهاده وهذا رأيه الخاص به رضي الله عنه وأرضاه، ثم مات، لكن: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤] حفظ الله أبناءه بعده، حتى قال العلماء: كان أبناؤه من أغنى الأغنياء في الناس.

وأتى القاهر -خليفة عباسي- فقال: أكتنز للدهر، أحتفظ بالمال لليالي وللأيام السود، فحفر بركاً في الأرض وملأها من الذهب والفضة، لكن ما اعتمد على الله، وقال لأبنائه: يا أبنائي لا تخشوا الفقر، فقد ملأت لكم في هذه الخزانات والبرك ما لو وزع على أهل بغداد لكان كل بغدادي تاجراً.

فماذا فُعِل به لما خالف أمر الله؟ خلع من خلافته خلعاً، وسلب سلباً، ثم وسلمت عيناه بالحديد الحار حتى أصبح أعمى، ثم أُخذت أملاكه وصودرت إلى الخليفة من بعده وأُخذت قصوره؛ وأصبح يقف في المسجد في بغداد ويقول: من مال الله يا عباد الله!

قالوا: فانظر إليه يوم ضيع الله كيف ضيعه الله، وانظر لذاك يوم حفظ الله كيف حفظه الله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤].

عبدالملك بن مروان حضرته الوفاة فأخذ يقول: يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما عرفت الملك لأنه فرط في الدماء، ثم قال: يا ليت أمي لم تلدني! قال ابن المسيب لما سمع هذه الكلمة: الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ولا نفر إليهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>