للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جمال التعبير في قوله: (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ)

يقول بعض العلماء: إنما قال: ربك؛ ليستعز به عليه الصلاة والسلام، وهذه تسمى النسبة، فإن كل خادم يفرح بمخدومه، حتى ترى مخدوم الباشوات دائماً يفرح أنه ينتسب إليهم، وتجد له سلطة محلية وأثراً في المجتمع؛ لأنه يعرف أن من يسنده قوي، فتجده دائماً يتكلم للناس ببهرجة وبقوة لأنه ينتسب إلى أولئك، فالله عز وجل يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: افرح بنسبتنا، أنا ربك، أنا الذي فعل بأعدائك ما فعلت، أنا الذي حطمهم، أنا الذي سحقهم فافرح بنسبتك إلي، حتى أن بعض الشعراء يقول:

شرف النفوس دخولها في رقهم والفخر تحمله من المتعبدِ

وقال آخر:

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

ولذلك شرف الله نبيه فقال: {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ} [الكهف:١] وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [الجن:١٩] وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١] فهو عبده، ثنى العبودية له عليه الصلاة والسلام، وفي الصحيح: {لا تَطْرُوني كما أطْرَتِ النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله} فيحب عليه الصلاة والسلام هذه النسبة.

حتى نُسِبَ لأحد الشعراء في القرن الرابع أنه قال:

ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك: يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

وقال: ربك، ولم يقل: ربهم، فإن هذا ليس فيه اشتراك، فالله رب الجميع؛ فرب أبرهة هو الله، ورب الفيل الله، ورب عبد المطلب الله، ورب الرسول الله، ولكن لما أتى في موقف التمايز لأن هنا هجوماً ودفاعاً، هنا حزبان، هنا أناس يؤمنون بالله ويحملون المبادئ الخالدة، وأناس يحملون لواء الشرك، فقال: ربك، ليس بربهم الآن، هو ربهم صراحة -كما يقال- ربوبية في العامة، أما الربوبية الخاصة فلمحمد عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>