ما حكم تطبيق النظريات العلمية على القرآن الكريم، أي بمعنى: كلما اكتشفت نظرية بحث عنها في القرآن من أجل التأكد من ذلك؟
الجواب
مسألة البحث في القرآن عن النظريات العلمية جيد من حيث هو، وهو من ضمن ما طلب الله من التفقه في كتابه والاستنباط، لكن قضية أن يخضع القرآن لكل نظرية جدت في الساحة، هذا طريق موصل إلى تخطئة القرآن الكريم، فإنها قد تستنبط نظرية، فيقال انظروا كيف قال القرآن لقد وافق النظرية على هذه، وبعد خمسين سنة أو مائة سنة يظهر للباحثين أن هذه النظرية خطأ، فيعود باللوم إلى القرآن.
القرآن أصل ثابت، وصدق وحق لا ريبة فيه، وقبل أن أستطرد في ذكر هذا الحديث، أريد أن أذكر لكم أصلاً وهو: أن القرآن كتاب نزل للهداية، يقول: سيد قطب: القرآن كتاب هداية.
لأن بعض المفسرين ظن أن القرآن كتاب تاريخ، يقول أبو الأعلى المودودي: قبل أن تقرأ القرآن ينبغي عليك أن تنزع من ذهنك كل تصور سابق عن القرآن، فالقرآن ليس بكتاب تاريخ ما حدثك متى ولد فرعون ومتى توفي، ومتى وقعت المبارزة بينه وبين موسى والعصا، ومتى أغرقه الله في البحر، لأنها أمور تاريخية، والقرآن ليس كتاب جغرافيا يتحدث عن الجبال والتضاريس والمدن وأهم المنتجات والصادرات والواردات، وليس بكتاب هندسة، والعجيب أن بعض الكاتبين له تفسير في هذا -وليس كل من أراد الخير وفق له- إلى أن أخذ نظريات هندسة من القرآن، قال: ويستفاد من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦] أن أقرب خط بين نقطتين الخط المستقيم، ما شاء الله تبارك الله، وقال في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}[المرسلات:٣٠] فيه دليل على أن المثلث زواياه منفرجة، حتى يُظهر للناس أن القرآن حوى العلوم، وأنه أتى بالطب والهندسة والفلك، والقرآن ما أتى إلا كتاب هداية يقود الناس إلى الله رب العالمين، فإذا علم هذا فالخطورة أن يخضع القرآن دائماً لكل نظرية، وأنه إذا سمع بشيء قالوا في القرآن.
حتى يقولون: محمد عبده الأستاذ المصري -صاحب التفسير- حين ركب في سفينة إلى باريس يريد فرنسا، فلما ركب في السفينة معه خواجة مستشرق يقرأ القرآن، قال المستشرق يا محمد عبده يقول الله في كتابكم:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:٣٨] فأين ذكر هذه السفينة في كتابكم؟ واسم السفينة كوك، قال: يقول سبحانه: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً}[الجمعة:١١] فهذا تكليف للنص، ولا يريد محمد عبده أنه يضحك عليه، لأنه ليس المقصود من:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:٣٨] أن يؤتى بالحشرات والحيوانات والبهائم في القرآن ولذلك بعض الناس إذا ما أردت أن تخبره بحكم الدخان، قال ائتني بحكم الدخان من القرآن، ما ذكر الله في القرآن الدخان أو الشيشة أو القات أو هذه الأمور، فهو يريد أن يأتي القرآن بكل اسم، بالميراندا والبيبسي والشاي والقهوة والموز والتفاح، وغير هذه الأمور، لكن القرآن قواعد كلية، كل آية قاعدة كلية تندرج تحتها ملايين القضايا، يقول الله عز وجل:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:١٥٧] فدخل في الطيبات مليون طيبة، ودخل في الخبائث مليون خبيثة، فهذه وجهة نظري في هذا السؤال.