[معيشته عليه السلام قبل البعثة]
لم يرث عليه الصلاة والسلام من أبيه ميراثاً لا درهماً ولا ديناراً, مات أبوه فقيراً, وكان صلى الله عليه وسلم فقيراً محوجاً, لا يملك الثوب إلا في السنة, كان عليه من السنة إلى السنة ثوب واحد, ومع ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر جسمه كالديباج يقول أنس: {صافحت الرسول صلى الله عليه وسلم، فوالله ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفه, وشممت عرقه صلى الله عليه وسلم، فوالله ما شممت مسكاً ولا عبيراً أحسن وأزكى من رائحته عليه الصلاة والسلام}.
كفله عمه أبو طالب وكان أبو طالب عنده أطفال كثير, وكان فقيراً, فأخذ صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم لـ ابن أبي معيط على حفنة من تمر, وما من نبي إلا رعى الغنم, وهذه من حكمة الله أن يرعى الغنم, قال أهل العلم: في رعاية الغنم مسائل منها:
١ - أن رعاية الغنم تكسب الإنسان رقة وانكساراً وتواضعاً, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعاً.
٢ - ومنها: أنها تعلمه سياسة الناس، وتدبير شئون الناس, ولذلك دبَّر صلى الله عليه وسلم شئون الناس.
٣ - ومنها: أنها من أحسن الكسب، فليست كالتجارة التي قد يدخلها الحلف أو الربا.
فامتن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بهذا بعد أن أغناه، قال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:٦ - ٨] وكان صلى الله عليه وسلم يخبر دائماً أنه رعى الغنم, وما من نبي إلا رعى الغنم, ولما بعث صلى الله عليه وسلم أتاه وفود العرب, وكان كثير من الصحابة يقومون على رأسه بالسيوف المصلتة، فأتاه ملك من الملوك؛ فأخذ يهتز هذا الملك ويرتعش من هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم, قال: {هوِّن عليك، فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة , وكنت أرعى الغنم قبل النبوة} يقول: لا تخف, وهذا من شدة تواضعه عليه الصلاة والسلام ورحمته.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن السيرة الأولى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] ولولا الله عز وجل ثم مبعثه عليه الصلاة والسلام كانت أنوف الأمة في التراب، وما كانت تعرف حضارة ولا مستقبلاً ولا رقياً ولا ازدهاراً وما كان لها تاريخ.
تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا ذكر ولا شان
ويقول أحدهم:
في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار