أسدل صلى الله عليه وسلم الستار، وبقي ما يقارب ثلاثة أيام، ثم خرج إلى الناس في خطبة أخيرة ليودع الناس ويودعونه، خرج وأخذ بجانبه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه، وفي الجانب الآخر علياً، وأخذت أقدامه تخط في الأرض من شدة المرض، وكان عليه عمامة دسمة أي: متينة، بدينة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: في يده قضيب.
فجلس على المنبر، ثم أخبر الناس، ثم قال:{أيها الناس؛ اللهم من سببته أو شتمته أو لعنته -يعني: من المسلمين- فاجعلها له قربة ورحمة عندك، ثم قال: أيها الناس! من آذيته بسب أو شتم أو أخذت شيئاً من ماله فاقتصوا مني اليوم، قبل ألا يكون درهم ولا دينار} فبكى الناس جميعاً، وقام أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يخبر الناس، ويعظهم، ويقول:{تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي}.
فودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعهم، ثم عاد صلى الله عليه وسلم واستمر به المرض، وفي اليوم الأخير من أيامه صلى الله عليه وسلم أتاه اليقين، وأخذ يقول:{لا إله إلا الله، اللهم أعني على سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} ثم قبضت روحه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى} فتقول عائشة: {خيرت -بأبي أنت وأمي- فاخترت يا رسول الله}.
وأتم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى النعمة، وأكمل الدين، قال أبو ذر رضي الله عنه: ما ترك صلى الله عليه وسلم أمراً، ولا طائراً يطير بجناحيه إلا وأعطانا منه خبراً، فأكمل الله به هذا الدين، فمن قال: إن في الدين نقصاً، أو يحتاج إلى تكميل فهو ضال مضل، أزاغ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قلبه وسمعه وبصره، بل الدين كامل، والشريعة كاملة، فله الحمد وله الشكر على هذا الدين، وله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منا الرضى، نسأل الله أن يرضى عنا وعنكم.