للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبواب الخير]

ثم يقول عليه الصلاة والسلام لمعاذ: {ألا أدلك على أبواب الخير؟} فالخير أبوب؛ ولذلك سئل ابن تيمية في الفتاوى فقيل له: أصحيح هذه الكلمة التي تقال أن الطرق إلى الله عدد الأنفاس؟ قال: إن كان قصد السائل أن طرق التبليغ من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى خلقه عدد الأنفاس فهذا ليس بصحيح، بل التبليغ عن الرسل عليهم الصلاة والسلام وعن محمد فحسب، وإن كان قصده طرق الخير فصحيح هذا الكلام؛ ولذلك جعل الله للجنة أبواباً ثمانية.

وقل لـ بلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً

توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترقَ أبوب الجنان الثمانيا

وجاء عند البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد, قال عليه الصلاة والسلام: {إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد}

و

السؤال

كيف يقسم صلى الله عليه وسلم الأبواب ويجعل الناس أقساماً, مع أنه لا بد أن يكون المسلم مصلياً والمسلمون جميعاً من أهل الصلاة؟ هل المعنى أن ينادى يوم القيامة فيقال: يا أيها المصلون ادخلوا من هذا الباب، ويا أيها المجاهدون ادخلوا من هذا الباب، ويا أيها الصائمون ادخلوا من هذا الباب؟ إذاً فما هو المعنى؟

المعنى: أن المسلمين لا بد أن يقوموا بالفرائض جميعاً, وبعضهم يزيد في الصلاة فيعرف بالمصلي من كثرة صلاته, فتصير عبادته هي الصلاة, فلا يرتاح إلا للصلاة؛ فيدعى من باب الصلاة، وبعضهم يرتاح للجهاد بعد أداء الفرائض من الصلاة وغيرها فيدعى من باب الجهاد، وبعضهم يرتاح للصيام, ولذلك قال تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:٦٠] ترى بعض الناس يأخذ الطريق إلى الله من طريق الصيام؛ فتجده في شدة الحر وفي معمعان الصيف وهو صائم، فباب الريان باب الصائمين، وبعض الناس لا يرتاح إلا للذكر بعد الفرائض, فلسانه يهتف بذكر الله عز وجل دائماً وأبداً، لسانه رطب بذكر المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس

وكذلك الجهاد، وهذا فتح من الله يفتحه على بعض الناس، يقول ابن القيم في طريق الهجرتين: بعضهم يأتي فيوفق لهذه العبادة ولهذا الباب، وأما الكُمَّل (الكاملين من الناس) فإنهم يأخذون من كل غنيمة بسهم.

تجده مع المصلين مصلياً، ومع الذاكرين ذاكراً، ومع المتصدقين متصدقاً {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:٤] مثل أبي بكر الصديق فقد كان من أكثر الناس عبادة لله عز وجل بالخشية والمراقبة، صلى وتنفل بالصلاة, وصام وزكى وجاهد وعدل وبذل أمواله في سبيل الله، وحفظ أوقاته وسكب وقته ودموعه ودمه وعرقه لخدمة لا إله إلا الله ولرفع لا إله إلا الله؛ فلذلك كان سابقاً بهذا العمل.

وكان عليه الصلاة والسلام يعرف مواصفات الناس وطاقاتهم وجهودهم، يأتيه الرجل فيقول: يا رسول الله! أوصني.

فيوصيه صلى الله عليه وسلم بما يناسبه، يأتيه نحيف البنية الهزيل الضعيف فيقول: يا رسول الله! دلني على عمل فيقول: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} لأنه لو دله على الصيام والجهاد ما استطاع، ويأتيه الرجل وله والدان فيقول: يا رسول الله! دلني على عمل.

فيقول: {عليك ببر الوالدين} ويقول غيلان الثقفي القوي البدين: يا رسول الله! دلني على عمل.

قال: {عليك بالجهاد في سبيل الله} وهذا لا يعرفه إلا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>