[قصيدة البردة لكعب بن زهير]
الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دم كعب بن زهير، لأنه هجاه في قصيدة وسبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبرأ عن السب، فديناه بأعراضنا ودمائنا وأموالنا، فلما سمع صلى الله عليه وسلم قال: من وجد كعباً فليقتله، فسار كعب ينام في النهار ويمضي في الليل، وفي الأخير ضاقت به الأرض بما رحبت، فذهب إلى مشايخ قومه وقال: ما هو الحل؟ ما المخرج؟ قالوا: انظم قصيدة، واذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وامدحه بها، فذهب، وأمسى عند أبي بكر في الليل، قال: يا أبا بكر! ما رأيك؟ قال: عندك شيء من الشعر، قال: عندي قصيدة، قال: إذا كانت صلاة الصبح، فأنا سوف أتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأستأذن لك في أن تلقي قصيدتك، فلما صلى عليه الصلاة والسلام صلاة الفجر بالناس، قال: يا رسول الله! كعب بن زهير يريد أن يلقي عليك أبياتاً، قال: قل، وكان أحلم الناس صلى الله عليه وسلم وأكرم الناس قال:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ ـقرآن فيها مواعيظ وتفصيل
يقول: اصبر واحلم.
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ ـقرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويل
يقول: لا تصدق أقوال الاستخبارات فيَّ.
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت في الأقاويل
لقد أقوم مقاماً لو يقوم به أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل ترعد من وجد بوادره إن لم يكن من رسول الله تنويل
يقول: يا رسول الله! سهرت وتعبت، وخفت وتشردت عن أهلي، وطاردني الناس، فارحمني يا رسول الله، واحلم عني، وكف عني يا رسول الله.
لقد أقوم مقاماً لو يقوم به أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل ترعد من وجد بوادره إن لم يكن من رسول الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل
يقول: ذهبت من بوادي العرب وجئت إليك، ووضعت يميني في يمينك، فإن كنت تريد قتلي فاقتلني، وإن كنت تريد ذبحي فاذبحني وإلا فاعف عني، وأنت إذا قلت قلت، ثم يقول:
إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم وما لهم عن حياض الموت تهليل
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
يقول: إن قتلتني اليوم، فكلنا نلتقي عند الله، وإن عفوت عني فسوف أموت، فالقضية موت موت، فخلني أياماً مع أهلي.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فخلع صلى الله عليه وسلم بردته، وهذه البردة كانت من أجمل ما يكون، فخلعها وألبسها كعباً وقال: عفوت عنك، ثم باعها بنوه من معاوية بن أبي سفيان بأربعين ألف درهم، وبيعت هذه البردة حتى وصلت خلفاء الأتراك من بني عثمان في إسطنبول، وهي في متحف هناك، وتساوي الملايين، وهي أغلى من الدنيا وما فيها، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم لبسها.
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا