[مسئولية الأساتذة]
وأنتم أيها الأساتذة: يا قادة الجيل! يا معلمي أبناء المسلمين! أما علمتم أن آباءنا جعلوا الأبناء بين أيديكم أمانة؟ أما علمتم أن فلذات أكبادنا أرواحنا جلسوا على الكراسي ينظرون ماذا تقولون وما تتصرفون؟ أما علمتم أنكم ورَّاث المصطفى عليه الصلاة والسلام؟ فلا إله إلا الله كم هي المسئولية! ولا إله إلا الله كم هي الأمانة! ولا إله إلا الله ما أعظم التبعة! فيا إخوتي الأساتذة! اتقوا الله في أجيالنا وأكبادنا، فوالله إنهم بكم؛ إن استقمتم استقاموا، وإن اعوججتم اعوجوا، فليست المسئولية أن تلقي درساً، أو حصةً، أو محاضرةً وتخرج، لا.
إن فوق ذلك أمراً عظيماً، إنك أتيت خليفة لمحمد صلى الله عليه وسلم لتعلمهم الإيمان، وتغرس في قلوبهم الحب والطموح، فالإيمان تسكبه قبل أن تسكب هذه الحصة، ولو كنت أُستاذاً في أي فن؛ في التفسير أو في الفقه أو في الحديث، أو في التاريخ أو في الجغرافيا، إن الله سوف يسألك يوم القيامة {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤].
إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكل في الكتاب مرتب
فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب
إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤].
يا أساتذة المسلمين: يا مدرسي المسلمين! يا مربي أجيال المسلمين! أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وتسكبون لا إله إلا الله في القلوب وما دخلت قلوبكم؟! أتحبون الإيمان أن ينتشر وما نشرتموه في الفصول؟! أتريدون الدعوة المؤثرة في الأجيال وما تأثرت بها نفوسكم؟!
عجيب! إن هذه الآية صارت قارعة لبني إسرائيل تقرعهم على رءوسهم؛ لأنهم يأمرون ولا يأتمرون، يوجهون ولا يتوجهون، يأمرون بالسنة، ولكن لا تظهر السنة عليهم، فقال الله لهم: ({أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة:٤٤].
أنتم أساتذة، وأنتم معلمون، وأنتم مربون وتنسون القرآن أفلا تعقلون! أليس هناك عقول تعرف هذه المسئولية! والله- عز وجل- يقول في بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥].
سبحان الله! إن الذي يحمل المعلومات في رأسه، ثم لا يطبقها في دنيا الواقع، ثم لا يكون داعية مؤثراً، ثم لا يكون مستقيماً، ثم لا يكون سنياً على منهج محمد صلى الله عليه وسلم فهذا ذهنه سلة مهملات، وتموت المعلومات في ذهنه، ويطفأ النور في قلبه، وتموت الإرادة في روحه؛ ولا يستفيد من علمه أبداً؛ قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].
ما أكذب الكلمة التي لا يصدقها العمل! وكثير من الناس يجيدون الأقوال، لكن أين الأعمال؟! كيف نريد أن تستقيم بيوتنا؟ كيف نريد أن يهتدي شبابنا ونحن ما أقمنا الإسلام في أشخاصنا؟!
فيا أيها الأساتذة: سامحوني -لطف الله بكم- إذا كنت قوي العبارة، أو صعب الأسلوب، فوالله إن هذا الكلام موجه إليَّ قبل أن يوجَّه إليكم.
أيها الأساتذة الأبرار: أنتم صفوة المجتمع، فإذا أقمتم الإسلام في قلوبكم؛ قام في تلاميذكم وفي طلابكم.
فالأستاذ هو القدوة.
سبحان الله! كيف يتجه الطلاب إلى الخير إذا اتجه الاستاذ إلى الخير، وكيف ينحرفون إلى الشر إذا انحرف إلى الشر، يقول: كونوا صادقين ثم يكذب! يقول: كونوا متبعين لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم يخالف! يأمر بالمحافظة على الصلاة ثم لا يحافظ! يأمر بتلاوة القرآن ثم لا يتلو! أي أسلوب هذا؟!
إنه الأسلوب الجاف الذي أعلن إخفاقه عند الأمم جميعاً حتى عند الكفار، فهذا الأمريكي الذي كان من أكبر دعاتهم دايل كارنيجي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة يقول: إنك لا تعلم تلميذاً من التلاميذ ما لم تقم بعملك.
سبحان الله! حتى الكافر عدو الله وحتى الخواجة يعرف أن هذا العلم لا يسري في الناس حتى يكون المعلم متمثلاً لذلك.
أرأيتم أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أسمعتم بأهدى منه؟! أطرق أذهانكم أعظم منه في التاريخ؟! أطرق العالم أشرف منه؟! لا والله.
دعها سماوية تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوس
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣].