أما دخله فقال الذهبي والسبط ابن الجوزي: كان له ثلاثة دكاكين بـ دمشق إيجاراها في السنة عشرون ديناراً، لا يأكل إلا منها، ولا يرضى أن يأكل من إيجار غير هذه الدكاكين الثلاثة، وقال السبط ابن الجوزي: استأجر نور الدين محمود سلطان الدنيا وسلطان المشرق عجوزاً، وقال: اصنعي لي الكوافي، وبيعيها والفائدة لي وأجرتك عليّ، فكانت تبيع الكوافي، وذكر ذلك صاحب كتاب سير أعلام النبلاء في المجلد الحادي والعشرين.
فكانت العجوز تصنع له الكوافي وتبيعها في السوق فإذا أتت سلمها الأجرة وسلمته قيمة الكوافي، فيتعيش بها وأهله.
أما قيامه في الليل، فقد فرض على الجيش أن يقوموا قبل الفجر بساعة، فإذا حضر قبل الفجر بساعة ضربت الطابلانخات، هكذا سماها ابن كثير، وهي أشبه شيء بالمدافع، أو بالزِّيرة التي تخرج منها أصوات.
فإذا ضربت استيقظ الجيش جميعاً من الثكنات واستيقظ حرسه وأهله وحاشيته واستيقظ هو فصلوا حتى يطلع الفجر.
أتظن أن هذا ينهزم؟! كيف ينهزم {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:١٨] قال: وكان يقوم الليل كثيراً ويدعو الله عز وجل بالنصر للمسلمين، وكان يكثر من البكاء، وربما صلى في بيته داخل الإيوان، وربما خرج أحياناً فصلى في الثكنة، وكان يمر على الجنود قبل صلاة الفجر ويقول: آه النار النار! يعني: النار يوم العرض الأكبر.
قال الناظم فيه:
جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن المحراب في المحراب
ومعنى المحراب: الشجاع المقدام المقاتل، والمحراب معناه: محراب الإمام في المسجد.
قالوا: وكان إذا ركب راحلته قرأ القرآن وهو يسير، ويأتيه بعض الشعراء يقول: نريد أن ننشدك، قال: كفاني كتاب الله سميراً وأنيساً، وقد سمع الحديث، وكان إذا أراد أن يسمع الحديث جلس على ركبتيه كما جلس جبريل عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم قال: فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه.