[الظلم من أسباب النكبات]
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الظالمين وأخذهم: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:٥٢] قال ابن عباس: [[الظلم خراب البيوت، أما سمعتم قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:٥٢]]] قال شيخ الإسلام ابن تيمية -نظر الله سعيه-: إن الله ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ويمحق الأمة الظالمة ولو كانت مسلمة، فالعدل إقامة الشعوب وسلامها واستمرارها والظلم خرابها، ظلم أحمد بن أبي دؤاد الإمام أحمد، الإمام أحمد بن حنبل إمامنا، وأحمد بن أبي دؤاد إمام أهل البدعة إمام المعتزلة، كان أحمد بن أبي دؤاد هذا قاضي القضاة في عهد المعتصم، من أفصح الناس وأعجبهم، كريم: يقولون يوقع على الصك الواحد ألف ألف درهم، أعطاه الله أموالاً، حتى يقول أبو تمام يمدحه:
لقد أنست محاسن كل حسنٍ محاسن أحمد بن أبي دؤاد
وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي
هذا وقف للإمام أحمد بالمرصاد وظلمه، وكان كلما أراد الخليفة المعتصم أن يسمح الإمام أحمد ويخرجه من فتنة القول بخلق القرآن، قال: لا.
يا أمير المؤمنين عليك به، وهو مستشار للمعتصم، فيأتي المعتصم ويدمغ الإمام أحمد، كلما فكر قال: يا أمير المؤمنين: الله الله اقتله ودمه في عنقي، انظر إلى الخائن! يقول جلاد الإمام أحمد -رجل اسمه عدرس - والله الذي لا إله إلا هو، لقد جلدت الإمام أحمد جلداً لو جلد بعير لمات.
لكن الإمام أحمد كان دائماً متصلاً بالله، كانت دماؤه تسيل، ويخرج من القصر ويقول: اللهم اغفر لأمير المؤمنين، هذا الإمام أحمد، وكلما أراد أن يسمح المعتصم أتى أحمد بن أبي دؤاد، قاضي القضاة المعتزلي، قال: يا أمير المؤمنين! دمه في عنقي، دمه حل وبل وطل، اقتله يا أمير المؤمنين، فيستدعيه ويضربه، في الأخير صبر الإمام أحمد ثم توجه إلى القبلة ودمعت عيناه وقال: اللهم عليك بـ أحمد بن أبي دؤاد، اللهم احبسه في جسده، فأجاب الله دعوته في سنوات، فحبس أحمد بن أبي دؤاد في جسده، أما نصفه الأيمن فمشلول يقول أحمد بن أبي دؤاد: والله لو قطعت بالمقاريض ما أحسست بشيء في نصفي هذا، وأما نصفي هذا فو الله لو قع عليه ذباب كأن القيامة قامت، فكان يبكي الليل والنهار، فيدخل عليه تلاميذ الإمام أحمد، قالوا: ما دخلنا نزورك وإنما دخلنا نشمت بك، يقولون: لا تظن أننا نحتسب الأجر في الزيارة لا، لكن نتفرج في هذا المنظر وفي دعوة الإمام أحمد، فأخذه الله عز وجل وذهب إلى الله، لكن انظر إلى عاقبة الظلم وانظر إلى النتيجة والخاتمة.
أتى ابن الزيات أحد الوزراء فاعترض على الإمام أحمد وكان من المتسببين في تعذيب الإمام أحمد وقال: اللهم نكل به: فأصابه الله بقارعة، أخذه الخليفة المتولي بعد المعتصم ثم جعله في فرن فلما كبته في الفرن، ضرب المسامير في رأسه حتى خرج دماغه من أنفه، فنعوذ بالله من الخذلان، ونعوذ بالله من الظلم، ومن الانحراف عن منهجه جل وعلا.
يقول ابن مسعود: [[ما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة]] أي: ما امتلأت غنى وبسطة، ثم انحرفت عن منهج الله؛ إلا امتلأت نكبة ومصيبة.
ويقول ابن الوردي:
أين من شادوا وسادوا وبنوا هلك الكل ولم تغن القلل
ويقول أحدهم:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز من منازلهم إلى مقابرهم يا بئسما نزلوا
تلك الوجوه التي كانت مكرمة أضحى عليها جموع الدود تقتتل
ذكر الترمذي في سننه رحمه الله من طريق عطاء بن أبي رباح أن عائشة: رضي الله عنها -أم المؤمنين- مرت بقبر أخيها عبد الله بن أبي بكر الصديق في مكة -دفن في مكة - فلما رأت قبره بكت، وقالت: " مثلي ومثلك يا عبد الله كمثل قول: متمم بن نويرة في مالك أخيه:
وكنا كندمان في ديمة برهة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالك لطول الاجتماع لم نبت ليلة معا
هذه من أرق ما قيل، وكان عمر إذا رددها وذكر أخاه، بكى ويقول: يا ليتني كنت شاعراً فأرثي لأخي زيد.
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربا وما أحسن المصطاف والمتربعا
ثم يقول:
فليت المنايا كن خلفن مالكاً فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا
هذا متمم بن نويرة يقول: يا ليتني مت مع أخي، أو ليته عاش معي.