[الوساطة قسمين: حسنة وسيئة]
السؤال
هل تعتبر الواسطة من باب العون للمسلم، ويؤجر عليها؟
الجواب
الواسطة على قسمين:
واسطة محرمة، وواسطة مأجور صاحبها، وهذه تسمى شفاعة، ولكن الواسطة اسم حادث.
فأما من شفع، أو من توسط في إزاحة حق عن مسلم أو توسط في باطل، أو دون حد من الحدود؛ فهذا مأزور غير مأجور، وهذا من دعاة أبواب جهنم -والعياذ بالله- ممن يصرفون الحق عن مستحقيه، كبعض الناس ما همه إلا أن يصرف الحقوق عن أهلها، أو يتعدى على أموال الناس، أو يعطل أرزاقهم، الناس يصبحون كل صباح يقولون: نسأل الله من فضله، وهو دائماً في باب الفضل، ودائماً في باب أرزاقهم، فبعض الناس مهمته هكذا كلما أتى خير دفعه، وكلما أتى شر أكده، وكلما أتى شيء عفو منعه.
حتى يذكر شيخ الإسلام رحمه الله وابن القيم عن نصير الدين الطوسي الرافضي الذي كان مستشاراً لـ هولاكو أن هولاكو أتى إلى بغداد وأراد أن يعفو عن المسلمين لما رأى الأيتام والمساكين والأرامل، لكن هذا المجرم نصير الدين الطوسي قال: لا تعف عنهم هم فعلوا وفعلوا وأرى أن تقتلهم بالسيف، فقتل في ساعة واحدة سبعة وثلاثين ألفاً، فهذا ومن كان على شاكلته دائماً يوحي بالشر ويقف في وجه الخير ويوقد نار الفتنة، وإذا قال الناس كلمات الخير نطق بكلمة الشر فلا يحب العفو ولا التسامح، ولا أن يستمر الخير.
وأما شفيع الخير؛ فهو الذي جعل الله له جاهاً طيباً، وهو الذي له الثناء الحسن، كما حكى الله عن إبراهيم إذ يقول: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:٨٤] وهو الثناء الحسن، وهو الذي يتحمل حمالات الناس، ويقف بحوائجهم عند أبواب السلاطين، ويرفع شكاياتهم، ويرفع الضيم عنهم، ويأخذ أمورهم ومعاملاتهم ويقدمها، ويقف معهم كأنه يقف مع أموره الخاصة، فهذا جزاؤه عند الله، أن يكون الله في عونه، وأن ينفس عنه كرب الآخرة، وأن يتولاه في من تولى، وهذا صنفه كثير في العالم الإسلامي، كـ رجاء بن حيوة رحمه الله ورضي الله عنه؛ فهو الذي كان سبباً في تولية عمر بن عبد العزيز، انظر هذا المستشار العظيم الصالح العالم،! كان رجاء بن حيوة؛ مجتهداً مطلقاً، وكان مستشاراً لـ سليمان بن عبد الملك وسليمان أراد أن يولي ابنه أيوب الخلافة، فكتب مرسوماً أني إذا مت تولى بعدي ابني أيوب، فمات أيوب قبل أن يموت الخليفة، فلما حضرت سكرات الموت سليمان بن عبد الملك تلعثم ماذا يقول، إخوانه الأشقاء يريدون الخلافة وهم ظلمة، ورجاء بن حيوة يريد أن يعطيها الولي الصالح المجتهد المطلق عمر بن عبد العزيز ابن عمهم، فوقف فكان سليمان يبكي على فراش الموت ويقول وهو في سكرات الموت:
إن بني فتية صغار أفلح من كان له كبار
قال عمر بن عبد العزيز: لا والله لكن {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:١٤ - ١٥].
فقال لـ رجاء بن حيوة: من أولي؟ قال: إن أردت أن تلقى الله وأنت من السعداء، فول عمر بن عبد العزيز.
فقال اكتب: فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وليت عمر بن عبد العزيز ثم مات، فلفَّ رجاء الورقة وجعلها في جيبه وقدم على المنبر وصعد، وقال: يا أيها الناس! تبايعون لمن في الصحيفة؟ قالوا: نبايع.
فقام يزيد وهشام إخوان سليمان بالسيوف، قالوا: اقرأ الصحيفة، قال: لا أقرؤها حتى يبايع الناس؟ قالوا: إما بايعتم وإلا قتلناكم.
قالوا: نبايع.
فأخرج الصحيفة فإذا هو عمر بن عبد العزيز.
فهذا شفيع عند الله يقول: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء:٨٥].
والناس كثير منهم لا يستطيع أن يرفع حاجته، ولا أن يرفع ضيمه، ولا أن يقدم لنفسه نفعاً، على سبيل المثال: بعضهم تجده سنوات تمر به لا يستطيع أن يدخل لبيته مثلاً خدمة الماء أو الكهرباء أو الهاتف، بينما بعض الناس في لحظة يتصل بالهاتف: بسم الله أنا أبو فلان لا يأتي صلاة الظهر إلا والهاتف موجود، فهذا يستخدم ثقله في نفع الناس، ونفع المصابين، والأرامل، وهو المأجور عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو صاحب قدم الصدق.
هذا تقسيم الوساطات منه الحسن ومنه السيء، والله المستعان.