[البطاقة الشخصية لشيخ الإسلام ابن تيمية]
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أيها الإخوة الفضلاء: عنوانُ هذه المحاضرة: أسرار العبقرية عند ابن تيمية، ضيفنا هذه الليلة هو شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام.
أحييك يا شيخ البطولة والفدا وأرجوك أن تأذن لنا بالتكلم
عشقنا معاني فيك جِدَ جميلةٍ وعشنا مع ذكراك في كل موسم
الليلة لن أقص عليكم حياة ابن تيمية كما يقصها أهل الترجمة، ولن أتكلم عنه كما يتكلم عنه أهل التاريخ، إنما آتي بأسرارٍ في حياته، ولعلكم تعرفون ابن تيمية.
كان ابن تيمية يحمل في قلبه وقوداً لا ينطفئ أبداً، تنطلق على هيئة براكين صاخبة مدوية، إن نفسه تمور كالريح الهوجاء التي تقتلع الشجر، وتقلب الصخور، وتزمجر في الأودية.
كان يتحدث من أعماق قلبه، فيملأ الدنيا ضجة، علَّ الدنيا أن تنصت له! علَّ التاريخ أن يصغي له! ويقف كالجبل يتحدى أوهام الموت الموهومة التي بثها الناس في قلوب الناس، يتحدى التقليد والرجعية البائسة، فهو يعيش الانفتاح بكل معانيه -أو سمه أنت البروستريكا- الانفتاح على النور الخالد الذي أرسله في العالم رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، يتحدى ابن تيمية المراسيم المتخلفة التي درج عليها بعض الفقهاء.
عاش ابن تيمية يعلو كالنجم، ويسطع كالفجر، يهدر كالسيل، لا للشرك، ولا لصرف القلوب عن باريها، ولا للإقطاع، ولا للديكتاتورية البشر، ولا للنفاق والعمالة أو لحصر الإسلام في الزوايا.
عاش الشيخ المعجزة -صاحبنا هذه الليلة- على المنبر خطيباً، وفي الميدان مجاهداً، وفي السجن أسداً محبوساً، وفي الدنيا عبقرياً، وفي التاريخ عظيماً.
صوته يكاد يخلع أرواح الجبابرة، إن قلب ابن تيمية يضرب ضرباتٍ سريعة؛ تخفق لضرباته القلوب.
إن كلماته قذائف تفجر الصخور.
قال جولد زيهر: "وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن".
إن ابن تيمية أتى عالماً جديداً في عالم قديم، إنه مشغولٌ بالتاريخ والتاريخ مشغولٌ به، كأن التاريخ واقفاً مع ابن تيمية، يلاحظ التاريخ حركات ابن تيمية: جاء ابن تيمية، خرج ابن تيمية، جلس ابن تيمية، وقف ابن تيمية، وكأنه يقول: يعيش ابن تيمية يعيش يعيش يعيش.
هذا ملخص بطاقة ابن تيمية الشخصية، ونعبر بكم مع فضيلة شيخ الإسلام حيَّاه الله وبياه!
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام كان أبوه نجماً، وجده قمراً، وهو شمساً: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:١٢] كان شمساً لكنها تصهر رءوس الملاحدة! {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} [الكهف:١٧] وكان قمراً ولكنه بديع يستأنس به أحبابه.