[خصائص أهل السنة والجماعة]
أيها المسلمون! أهل السنة وسط، يذكر شيخ الإسلام في كلام ما معناه: أهل الإسلام وسط بين أهل الملل -يعني وسط بين اليهود والنصارى- وأهل السنة وسط بين أهل الطوائف، لكن قبل أن آتي إلى هذا الكلام، أحب أن أنبه إلى مسائل لا بد أن تعوها جميعاً:
من خصائص أهل السنة والجماعة:
أولاً: أنهم يدينون بالكتاب والسنة بفهم الصحابة:
فالذين يدَّعون اليوم في العالم الإسلامي بل في العالم أجمع، أنههم يتبعون محمداً عليه الصلاة والسلام كثيرون، بل تسمع الإذاعات تزبد وترغي باتباعه صلى الله عليه وسلم، لكن إذا بحثت عن الحقيقة؛ فإنك لا تجدهم صادقين، بل تجدهم كذبة ومردة، ومفترين على الله.
أهل السنة يفهمون الكتاب والسنة بفهم الصحابة، فـ الخوارج يقولون: نحن أهل الكتاب والسنة، والرافضة والناصبة والقدرية، وأمثالهم يقولون: نحن أهل الكتاب والسنة، وأهل السنة يقولون: نحن أهل الكتاب والسنة، فمن نصدق؟
نصدق الذين يفهمون الكتاب والسنة بفهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
الخوارج يقولون: نحن رجال والصحابة رجال، فنحن نفهم كما فهموا.
ونقول: هذا خطأ، بل نفهم الكتاب والسنة بفهم أبي بكر وعلي، وفهم الصحابة.
قال سعيد بن جبير: [[كل علم لا يفهمه أهل بدر فليس من العلم]] فالعلم أن تفهم الكتاب والسنة كما فهمه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم كما قال ابن مسعود: أعمق الأمة علماً، وأقلها تكلفاً، وأصدقها وأخلصها؛ فعلينا أن نفهم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام بفهم أبي بكر، إذا أتيت إلى تفسير القرآن فتعود إلى تفسير ابن كثير، وتفسير ابن جرير لا أن تفهم القرآن أو السنة فهماً من عندك.
وقد نشأ داعية في هذا العصر اسمه رشاد خليفة، لكن ذبحه دعاة الإسلام في أمريكا، كان في ولاية ترزونا، في مدينة توسان، وهذا الرجل كان يريد أن يفهم الكتاب والسنة كما ارتأى، ثم أنكر رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، فتشرف بعض الشباب، فذبحوه على الطريقة الإسلامية، وذهب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم:
لقد ذهب الحمار بأم عمروٍ فلا رجعت ولا رجع الحمار
ثانياً: أهل السنة لا يجتمعون على ضلالة:
عصم الله أهل السنة فلا يجتمعون على ضلالة، والذي يظهر لي أن معنى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الحسن: {لا تجتمع أمتي على ضلالة} أن المقصود بهم أهل السنة.
لأننا وجدنا أن الخوارج اجتمعوا على ضلالة، وأن كثيراً من الطوائف البدعية اجتمعت على ضلالة، وهي في الجملة من الأمة الإسلامية.
إذاً فلا ينطبق عليهم الحديث، أما الحديث فينطبق على أهل السنة، فلك الحمد يا رب لا يجمعنا على ضلال أبداً، فلا تجد أن أهل السنة يجتمعون أولهم وآخرهم وعلماؤهم وعامتهم على الضلالة أبداً، وقد يرد أن يخطئ قائل بقول، فينكر عليه البقية، فمن عصمة الله عز وجل لـ أهل السنة وحفظه لهم، أنهم لا يجتمعون على ضلالة.
ثالثاً: يفهمون النقل بالعقل ولا يحكمون العقل في النقل:
فالكتاب والسنة ليسا مجالاً للصرف وللتحويل، فهما مجالان لأن تفهم منهما، وتفجر كنوزهما، وتأخذ من أشجارهما ثماراً، لا أن تصرفها، وتلعب بها، إنما لتفهم ولتتدبر.
إذاً هم يفهمون النقل بالعقل ولا يحكمون العقل في النقل، وقد ألف ابن تيمية كتابه العظيم ولله دره درء تعارض العقل والنقل، الذي يقول فيه ابن القيم: ما طرق العالم مثل هذا الكتاب، يعني ما سمع في هذا الباب مثل هذا الكتاب، ونهايته ونتيجته أن العقل لا يصادم النقل، بل النقل الصحيح مع العقل الصريح متفقان والحمد لله.
يقول أحد علماء السلف: أتحدى الناس قاطبة أن يوجدوا دليلين متعارضين صحيحين ثابتين أو دليلاً صحيحاً يخالف العقل الصريح.
فهذا لا يوجد والحمد لله، بل العقل السليم يدل على النقل القويم، فيتفقان.
الرابع: يؤمنون بالغيبيات ويتدبرون العمليات:
ابن حزم رحمه الله صاحب المحلى يقولون عنه: جمد في موضع السيلان، وسال في موضع الجمود، فأتى إلى الغيبيات -الأسماء والصفات- يشرح ويفيض فيها، ورد عليه ابن تيمية وأوقفه، وقال: خطأ.
وأتى إلى الأحاديث العملية التي تحتاج إلى شرح وفهم واستنباط، ووقف فيها، قال بالظاهر، قالوا: حفظك الله، لماذا ما سلت في موضع السيلان وجمدت في موضع الجمود، اجْمِدْ في نصوص الغيبيات، لأن أهل السنة يمرونها كما جاءت، وسِلْ في موضع السيلان، في النصوص التي تفهم، وهي نصوص الأحكام العملية في العبادات والمعاملات وغيرها.