للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخلاق العالِم

السؤال

هل إذا كان العالم أو طالب العلم، الذي يعلِّم الناس، سيء الخلق، ولسانه سليطاً، هل يؤخذ منه العلم، أم يترك لأجل سلاطة لسانه؟

الجواب

نحن لا نبرر للعلماء أخطاءهم، أي: أخطاءهم الخُلُقية.

كأن يكون العالمُ بخيلاً، يعني: يغلق عليك الباب، فتطالب أن تدخل الباب، يقول: والله لا تدخل، ويمنعك، وإذا وجدك كشر، ورفع صوته، وسبك دائماً، هذه ليست أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] فالهدوء والارتياح، والبسمة، والبشاشة، من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.

لكن أمراض البشرية دائماً تتكرر، والإنسان ليس معصوماً:

ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

ذكر الذهبي عن شيخ من الشيوخ، يقول: كان زعراً، أي: كان حاد الخلق، شرساً، إذا هبت الريح غضب، فيقول: أتاه أحد التلاميذ وعرض له كتاباً؛ فرفض الشيخ، فلحقه التلميذ عند الباب، وضايقه كثيراً، وبعض التلاميذ عِلَّة يرى الشيخ غاضباً، وجائعاً، ومنهكاً، ويرمي بنفسه عليه، ويضايقه، وينكد عليه.

يقولون من أدب الطلب: أن تتوخى وقت المعلم ووقت راحته، ووقت هدوئه.

فأتى هذا الشيخ فغضب، فأتى بعصا -كان عندهم عصي- فضرب التلميذ، فأخطأت العصا فضربت في الكتاب فشقته.

قال الذهبي: الخطأ مشترك بينهما، يحكم الذهبي، يقول: الخطأ مشترك بينهما، (يمزح)!!

وكان الأعمش رحمه الله فيه شيء من هذا، يقولون: دعاه أحد تلاميذه يغديه في البيت، فأتى هذا التلميذ، وكان الأعمش لا يبصر الطريق كثيراً، فسقط الأعمش في حفرة بجانب بيت هذا التلميذ وهو لم يحفرها للأعمش لكن الطلاب حفروها له، قال: والله لا أدخل بيتك ولا أحدثك شهراً -هذا في السير- وعاد التلميذ وتلطف وصنع غداءً وبعد شهر دعا الأعمش، وأتى به إلى البيت وقبل الغداء أراد أن يصب عليه من البراد وكان الماء حاراً فلم يجربه قبل، فوقع الماء على يد الأعمش فسحب يده، وقال: والله لا أتغدى ولا أحدثك شهراً.

ما هذا الكلام؟ ما هذه الحدة؟!

إن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم هي: الحلم، والسعة، والتواضع.

ولذلك يوجد هذا، فعليك أن تتحمل وتصبر حتى تطلب العلم.

بعضهم بحر في العلم، لكنه حاد، يضارب على صاع تمر، فعليك أن تصبر حتى تأخذ العلم منه.

يقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: تلطفت بـ ابن عباس فحصلت على علم كثير، وأما أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف فما تلطف فلم يحصل على علم ابن عباس.

العلم حربٌ للفتى المتعالي كالسيل حربٌ للمكان العالي

أي: أن العلم مثل السيل، إذا رأى المكان منخفضاً ذهب إليه، وأما المكان المرتفع فلا، وكذلك العلم.

عَمَّرَ الله أوقاتكم بالسعادة، وجمعنا بكم في الجنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>