والعجيب أن المعاصي تقلب مقاصد العبد عليه، حتى قال بعض أهل العلم: إني لأعرف معصيتي في خلق دابتي وامرأتي وفي لباسي، حتى في لبس الحذاء، فبعض السلف يقول: إذا لم تُلبس لك الحذاء من أول وهلة، فاعلم أنه لذنب ارتكبته.
وذكروا عن سهل التستري أو غيره: أنه ذهب إلى صلاة الجمعة فانقطعت حذاؤه، فقال: أتدرون لم انقطعت؟ قالوا: بقضاء وقدر، قال: لكني أظنها بسبب وهو أني تركت غسل الجمعة، ثم عاد واغتسل.
وأخبروا ابن الجوزي بهذه القصة فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين أتوا، وكثرت ذنوبنا فلا ندري من أين أُتينا.
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد
فالثوب الأبيض إذا نقطت فيه نقطة سوداء عرفت من كل مكان، أما الثوب الأسود فلطخ فيه ما شئت، لا يظهر عليه الأسود ولا الديزل ولا الشحم ولا الأحمر ولا البنفسجي.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم:{ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} فالثوب الأبيض مثل المؤمن، والثوب الأسود مثل الفاجر الذي تلطخ من كل جهة، حتى إن بعض الناس إذا قلت له: لا تستمع الغناء قال: ليس معكم إلا مسألة الغناء! والحديث عن الغناء! الناس معاصيهم مثل الجبال، وأنت مع الغناء! وذلك لأن معاصيه مثل الجبال، فأصبح الغناء عنده شيئاً طبيعياً، تحدثه عن إسبال الثوب، قال: ألا تعرفون إلا الثوب؟! الحمد لله نحن أحسن من غيرنا، لو ذهبت أوروبا لرأيت المنكرات والدواهي، لأنه يقيس نفسه على بوش، وريجن، فيرى أنه أفضل منهم، فهو يشهد أن لا إله إلا الله، وهو يصلي الخمس فيرى أن له ميزة أو مزية.
فإذا علم ذلك، فلا بد من الدعاء ولو بالأمر السهل، حتى الصالحون كانوا إذا خرجوا من بيوتهم يدعون الله أن يسهل لهم أمورهم، ويفتح قلوب الناس لهم ويسخر لهم مطالبهم، ويهيئها، فإنها إن لم يهيئها الله لا تتهيأ.