[الوقفة العاشرة: حكم الإفطار في السفر]
مسألة الإفطار للصائم: يقول عز من قائل: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٥] والمسألة: أيهما أفضل الإفطار أو الصيام في السفر؟
و
الجواب
بإذن الله وبعونه وبتوفيقه، أن الإفطار لمن يشق عليه الصيام في السفر أفضل، وأما إذا تساوت المشقة وعدمها فسيان إفطاره وصيامه، ولو أفطر لكان أحسن، وأما إذا وجد يسراً في سفره وسهولة، فإن صام فله ذلك وهو مأجورٌ وليس عليه شيء.
وقبل أن أبدأ في هذه المسألة -مسألة القصر في الصلاة- يقول أبو حنيفة: من صلى الظهر أربعاً في السفر فصلاته باطلة، وعليه أن يعيد الصلاة ركعتين، وتبعه الأحناف في هذا.
وقال ابن تيمية: القصر في السفر أفضل، وسئل الإمام أحمد عن القصر والإتمام في السفر، قال: أكره الإتمام؛ لأنه مخالفة لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أما الإفطار في السفر فيفطر إذا حصل له مشقة، ومن لم يفعل وقد شق عليه، فقد عصى أبا القاسم عليه الصلاة والسلام، قال جابر كما في الصحيح: {سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا بـ كراع الغميم} وكراع الغميم: بلد بين مكة والمدينة، ولذلك ضحك العلماء من تفسير الغزالي لقوله صلى الله عليه وسلم: {لو أهدي إليَّ ذراع لقبلته، ولو دعيت إلى كراع لأجبت} والكراع أي: كراع الشاة، قال: الغزالي: لو دعيت إلى كراع الغميم - أي: إذا دعيت إلى هناك- لذهبت، فقال أهل العلم: فتح الله عليك وبيّض وجهك، ليس هذا المعنى، بل المعنى كراع الشاة، أما كراع الغميم فلم يتعرض له صلى الله عليه وسلم في الحديث.
فيقول جابر: {فلما أصبحنا في كراع الغميم أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن الناس شق عليهم الصيام في السفر، وهم صوام، فنزل عليه الصلاة والسلام وأخذ ماءً بارداً فشرب وشرب الناس} فهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:٨] والذي قال له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧] والذي قاله فيه: {طَهَ * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:١ - ٢] والذي قال فيه: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:١٥٧].
{إلا رجلان -من الجهل وقلة الفقه، فقالوا: لا.
أما نحن نستمر، الرسول صلى الله عليه وسلم أفطر وهم تركوا- فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة، أولئك العصاة}.
أما النافلة في السفر، فلك أن تصوم نافلة، وهو من الخير أن تصوم إذا استطعت، ولا عليك إذا كان لك ورد أن تحافظ عليه، قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في صحيح البخاري في باب نوافل الصيام: {جاء عمرو بن حمزة الأسلمي، فقال: يا رسول الله! إني أطيق الصيام في السفر، فهل عليّ من جناح؟ قال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر}.
فإذا صام المسافر فيشترط ألا يشق عليه ذلك؛ لأن الله عز وجل رخص له أن يفطر من الفريضة، فكيف يشق على نفسه بالنافلة في السفر؟!
وأما الذي لا يشق عليه فله أن يصوم في السفر وهو مأجور كالحضر لهذا الحديث الذي معنا، وقد صام صلى الله عليه وسلم في السفر.
والصيام يختلف عن القصر في الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أتم أبداً في سفره، وأما الصيام فقد صام في بعض أسفاره، ولذلك في الصحيح عن أبي الدرداء قال: {سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رواحة، وإن أحدنا ليتقي الشمس بيده من شدة الحرارة} وكان في الناس صوام في سفرة سافرها صلى الله عليه وسلم، فلما نزلوا في منزل من المنازل، قام المفطرون فنصبوا الخيام، وبنوا الحياض وخلطوها بالطين، ثم ملئوها بالماء البارد، ثم سقوا وقاموا فقدموا الطعام للناس، فقال صلى الله عليه وسلم: {ذهب المفطرون اليوم بالأجر} يقولون: ظاهر الحديث أن المفطر في هذه الحالة أعظم أجراً من الصائم، والسبب أن نفعه متعد للناس؛ لأنه نفع الناس، وأما الصائم فنفعه لنفسه، فهذا لخدمته للمسلمين كان أجره أعظم من أجر الصائم الذي صام لنفسه.