وهذه قضية كبرى لا بد أن يلحظها المؤرخ المسلم، فلا يأتي بدويلات، ويتكلم عن أقاليم وعن مقاطعات، ويفصلها عن تراثها الإسلامي وعن الأمة الإسلامية الموحدة ذات الرسالة الخالدة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام:
وأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني
فأمة محمد عليه الصلاة والسلام أمة مرت بها فترة من فترات التاريخ كانت ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، أما أن يأتي شخص فيتكلم عن دولة صغيرة من دول الجامعة العربية، ويجعلها هي الدولة الوحيدة، والإسلام لها، والتاريخ لها، والأبطال منها، والأدباء منها، ثم يلغي عظماء الإسلام، وأبطال الإسلام وكتاب الإسلام، فهذا غير مقبول، وحدة الأمة الإسلامية لا يفصلها حدود:
إن كِيدَ مُطَّرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
أحمر أو أبيض أو أسود، إفريقي أو أسيوي، كلهم تحت مظلة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥].
وأعظم مظهر من مظاهر التجمع العالمي والوحدة الإسلامية الحج ولا سيما حين يقف الحجاج في عرفات يوم تجتمع الألوف، وتنادي رباً واحداً بأكثر من (٤٠٠) لغة في ساعة واحدة؛ كلهم فقير إلى الغني، كلهم فانٍ بين يدي الباقي، وكلهم ضعيف تحت القوي، فتتحطم قداسات البشر وطواغيتهم على صخرة عرفات، ويبقى الواحد الأحد {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد:١٩].