للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إثبات التسبيح لجميع الكائنات]

قال: وأما التسبيح، فهل تسبح جميع الكائنات؟

نعم.

كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:٤٤] قال الرازي والغزالي: لا تسبح الكائنات بلسان المقال، وهؤلاء أشاعرة بل هم أساتذة الأشاعرة، ولكن ليس عندهم علم الحديث، وليسوا بصيارفة في بضاعة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك ضلوا في بعض المسائل، مع أنهم أذكياء.

فقد كان فخر الدين الرازي ذكي الدنيا، وهو صاحب التفسير الذي لا يستطيع حمارٌ أن يحمله، يقولون: في تفسيره كل شيء إلا التفسير، وفيه خير كثير.

وأنا أستطرد في الحديث عنه قليلاً، كان واعظ الدنيا، إذا وعظ أبكى الملوك، كان يغمى على الملوك في مجلسه من الوعظ، ويرشون بالماء، وجلس مرة بعد صلاة الفجر يدرس في الشمال في خراسان، وكان الجو قارساً بارداً، فتجمدت حمامة من البرد ووقعت عليه، فقال أحد الشعراء:

كذب امرؤ بـ أبي علي قاسه هيهات يبلغ مستواه

١٠٠١٩١٤>أبو علي

ثم انتقل إليه في قصيدة أخرى وقال:

جاءت سليمان الزمان حمامة تسعى إليه بقلب صب واجف

من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائف

وكانت من ألطف الأبيات، فيقول الرازي: الكائنات لا تسبح بألسنتها، فالحمام لا يسبح، والشجر لا يسبح بلسانه، والحجر لا يقول: سبحان الله، والمروحة عنده لا تقول: سبحان الله، إنما تسبح بلسان الحال، أي: أنها تشهد شهوداً ظاهراً أنَّ الخالق الله، ولذلك قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: اقرأ وهو في الغار، فأين يقرأ؟ قال: في كتاب الكون.

إيليا أبو ماضي شاعر لبناني مسيحي مجرم، لكن شعره جميل، وله ديوان الجداول والخمائل، يقول:

وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب

فالكون كتاب الوحدانية، نقرأ في التل والرابية والهضبة، ونقرأ في الحمامة وفي الوردة وفي الزهرة وفي أشياء تدلك على الله.

وقال أهل العلم: نثبت التسبيح لها، ولعل لها لغة لا نفهمها نحن، تسبح بها، والله يعلم سبحانه وتعالى وأنتم لا تعلمون.

سخروف هذا العالم الروسي الذي نفي أيام برجنيف إلى سيبيريا أثبت أن للنبات ذبذبات، كان بعض علماء السلف يقول: النباتات تسبح، فأتى العلم الحديث يقول: النبات يطلق ذبذبات من الصوت لا يفهمها إلا النبات الآخر، فسبحان من خلق، فالعلم الآن يدعو إلى الإيمان، وكلما ارتقى العلم أثبت وجود الواحد الأحد، ولذلك العالم اليوم أحسن منه في الإيمان قبل سنة، وبعد سنة قد يكون أحسن مما هو عليه اليوم، والإسلام يزحف على العالم ليدخل الناس في دين الله أفواجاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>