وبنو إسرائيل واليهود يعلمون أن الله فرض عليهم ذلك، لكنهم نقضوا عهد الله:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}[المائدة:١٣] أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام مخير بين أن يحكم بينهم في دين الله، أو أن يعرض عنهم، يقول سبحانه:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}[المائدة:٤٢] فلما أتوا بالزانيين- الرجل والمرأة- فقال اليهود: يا رسول الله! هذا الرجل زنا بهذه المرأة، فقال عليه الصلاة والسلام:{ماذا تجدون في كتابكم} في التوراة، والرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن في التوراة حكم الله وأنه جلد الزاني البكر ورجم الزاني المحصن، فقالوا: نجد في التوراة، أن نحمم وجه الزاني بالفحم، وأن نركبه على حمار ونوجه رأسه إلى دبر الحمار، وأن نعرضه على الناس، فقال الله عز وجل لرسوله:{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[آل عمران:٩٣] تعالوا بالتوراة نقرؤها سوياً هل نجد هذا الحكم في توراتكم وكتابكم، فأتوا بها، وهم حيات أخدع وأمكر خلق الله، وهم أساس كل جريمة وكذب ودجل وخيانة في العالم، فأتوا بالتوراة وجاءوا برجل اسمه ابن صوريا منهم، أعور لا يقرأ إلا بعين واحدة، فقالوا: إذا استدعاك محمد لتقرأ عليه التوراة، فاقفز من هذه الآية -آية الرجم- اقرأ ما قبلها وما بعدها واتركها، فأتى فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم التوراة قام حفياً لها؛ لأن فيها شيئاً من الحق، ولأنها أنزلت على موسى عليه السلام، وجعلها صلى الله عليه وسلم على وسادة عنده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب لكنه أعلم خلق الله بشرع الله، فقال للقارئ: اقرأ، وحوله اليهود يتناخرون كالخنازير والقردة، فبدأ القارئ يقرأ وقفز من هذه الآية وقرأ ما قبلها وما بعدها وجعل يده عليها، فقال عبد الله بن سلام اليهودي الذي أسلم وهو من أهل الجنة، والذي قال الله فيه:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ}[الأحقاف:١٠] فالشاهد عبد الله بن سلام فقال: {يا رسول الله! والذي بعثك بالحق نبياً إن فيها الرجم، ولكنه غطى بيده عليها، فكشف صلى الله عليه وسلم عن الآية وقرأت، فقام عليه الصلاة والسلام فرجم هذا الرجل ورجم هذه المرأة} قال ابن عمر رضي الله عنهما: [[لقد رأيت الرجل وهو يجنأ على المرأة يحميها من الحجارة، فعلمنا أنه زنا بها]] وهذا حكم الله عز وجل وشريعته في الأرض فلابد أن تنفذ، ومن عطلها فهو أساس تعطيل الرزق من السماء، والقطر من الفضاء، والغيث الذي يصب على القلوب، يقول تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:٥٠] والعجب ممن يعترض على دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم يقتل عباد الله في الأرض ويسعى في الأرض فساداً ويؤيد الطغيان والاستبداد واستحلال الشعوب وقتل الأرواح والضمائر.
قتل امرئ في غابة جريمةٌ لا تغتفر
وقتل شعبٍ كاملٍ مسألةٌ فيها نظر
ولكننا نرجع حكمهم إلى الله، ونعتز بهذا الدين الذي جعله الله حفظاً للأرواح وللأنفس وللأعراض وللأنساب وللأموال، فالحمد لله الذي شرح صدورنا للإسلام يوم ضيق صدور الآخرين وجعلها كأنما يصعدون في السماء، والحمد لله الذي هدانا لهذا الدين وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، رب زدنا فقهاً في ديننا وثبتنا على ملة رسولنا حتى نلقاك، وافتح قلوبنا لهداك، ولا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتها وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.