للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إذا كبر سنك فانتظر الموت]

كان قيس بن عاصم المنقري أحد الصالحين، وكان له عشرة أولاد صالحون، نام معهم في البيت وعمره ما يقارب السبعين لكن لا ينام، فصاحب السبعين اليوم مريض، وبصره كالّ، وسمعه فاتر وشهيته في الطعام قليلة، وظهره محدودب، فقد يبست أعضاؤه، لأنه في السبعين أو في الثمانين، فكان إذا نام مع أولاده العشرة لا ينام الليل، يسعل ويزفر ويشكو الثمانين، يقول له أحد أبنائه، مالك يا أبي لا تنام؟ قال: ما تركتني الثمانين أن أنام، أسهرتني في الليل، ثم نظمها في قصيدة وقال فيها:

قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا

إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها

وكثرت من مرض عوادها فهي زروع قد دنا حصادها

إذا أنجب ابنك وأصبح له أبناء فانتظر سكرات الموت، إذا رأيت أبناء ابنك يدرجون معك في البيت، فانتظر داعي الله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:١٠٢].

إذا رأيت أبناء ابنك ولدوا فهو نذير لك أن تبتهل، اترك المجال لغيرك، أكلت وشربت ونمت، ولهوت وضحكت فاخرج.

إذا الرجال ولدت أولادها وأخذت أسقامها تعتادها

سعال وسهر وألم وفقد بصر وفقد سمع واحدوداب ظهر ويبوسة.

كثرت من مرض عوادها، يعودنك في بيتك وفي المستشفى، وعلى السرير وفي الطريق دائماً يقولون: كيف أصبحت وكيف حالك؟ فهي زروع قد دنا حصادها: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢] هذا أسلوب القرآن، ثلاث جمل ثم ردوا إلى الله، ولم يقل: أعيدوا لكن قال: ردوا؛ لأنهم خرجوا بإرادة الله وردوا إلى الله: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام:٦٢] وكل شيء سواه باطل: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢] أي: أول ما يموت العبد ويصل إلى القبر يجد الحساب هناك، ولا يقول له المحاسبان: أنت مريض ارتح قليلاً، أو أنت كنت في المستشفى ومرضت سنوات نريحك سنة في القبر، لا، أول ما يتركه أهله وأول ما يدفنونه ويغطونه بالتراب وإذا بالحساب ماذا فعلت؟ أين أفنيت أيامك؟ أين كنت تصلي؟ ما هو مطعمك؟ ما هو مشربك؟: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢].

لا إله إلا الله ما أعظم الشيب.

كان ابن عباس إذا قرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:٣٧] بكى حتى يرثي له أصحابه، قالوا: [[مالك يا ابن عباس؟ قال: أتدرون ما النذير، قالوا: لا، قال: الشيب]].

شاب إبراهيم عليه السلام إمام التوحيد، وأستاذ العقيدة، إبراهيم الخليل صاحب المواقف العظيمة، الذي أركبوه في المنجنيق، ليلقونه في النار فلما أصبح في السماء بضربة من المنجنق ليقع في النار -فقد بنى له النمرود ناراً عظيمة- أتاه جبريل قال: يا إبراهيم! ألك إلي حاجة؟ قال: أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم، فلما اقترب من النار -وكان لهيبها يأكل الطيور في السماء، فقد جمعوا الحطب في شهرين أو ثلاثة أشهر- ووجد حرها وسمومها قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأطفأها الله وصارت برداً وسلاماً فوقع هادئاً.

إبراهيم رأى شيباً في لحيته، قال: يا رب! ما هذا البياض في لحيتي قال: شيب يا إبراهيم! قال: ما الشيب يا رب؟ قال: وقار، قال: اللهم زدني وقاراً، زادكم الله وقاراً وزادنا وإياكم ثباتاً وجعل شيبنا وشبابنا في مرضاة الواحد الأحد.

شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا

وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغت لحونا

كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا

<<  <  ج:
ص:  >  >>