للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تشريف الله لمكة بجعلها حرماً آمناً

ثانياً: أطلب منكم شكر المولى سبحانه وتعالى على أن جعلكم في هذا البلد الآمن، والله يتحدث لنا عن بيته في القرآن وعن هذا البلد الأمين كيف دافع عنه، وكيف رد عنه المعتدين والغزاة منذ أن بُنِي هذا البيت والله عزَّ وجلَّ يدافع عنه، ولكن اسمع منطق الجاهلية والوثنية، اسمع إلى أبي جهل وأبي لهب وهم يقولون: إذا اتبعنا محمداً تخطفنا الناس من الحرم، فالله يقول لهم: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:٥٧] يقول سبحانه وتعالى: أما مَكَّنَّا لهم الحرم؟! أما صددنا عن الحرم الهجوم؟! أما جعلناه حرماً آمناً؟! {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:٢٦] وفي سور أخرى يذكِّر الله المسلمين بمن فيهم رسولهم المعصوم عليه الصلاة والسلام ويقول لهم: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة:٢٥] فلله الحمد، لكن جزاء هذه النعمة الجليلة أن نشكره سبحانه وتعالى ولا نكفره.

ولا تكون أعمالنا مناقضة لأقوالنا فإن الشكر بالأعمال، ومِن شُكْرِه سبحانه وتعالى أن يصفَّى هذا الحرم الآمن من كل ما يخالف منهج الله في الأرض ومن كل ما يغضب الله عزَّ وجلَّ مِن مِثل الربا، والسفور الفاضح الذي يعارض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، المعاصي بما فيها: الدخان، والمجلات الخليعة، وأشرطة الكاسيت الغنائية، والفيديو المهدِّم، واللباس المحرم، والاختلاط الآثم الذي نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى ورسوله، كل هذه الصور تنافي قدسية هذا المكان واحترام هذا المكان الذي يذكِّرنا اللهُ بها في سورة الفيل.

وإنها بديعة في التصوير وبعض المفسرين يقول: سماهم الله بأصحاب الفيل، ولم يذكر أسماءهم مع أن القائد العسكري هو أبرهة، ولكن من احتقاره عند الله عزَّ وجلَّ ومن صغره وذلته لم يذكر الله اسمه، إنما ذكرهم بأصحاب الفيل، فكأن الذي يقود المعركة هو الفيل، وكأن الذي يدبر الخطط العسكرية الفيل، وكأن الذي يأتي إلى الهجوم على الكعبة هو الفيل، أما هم فإنهم أصحابه وأتباعه فحسب، هذه لمحة يشير إليها كثيرٌ من أهل التفسير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>