[صلاح الدين بن أيوب]
يوم انتصر صلاح الدين خطب شمس الدين الحلبي الجمعة في بيت المقدس فمدح صلاح الدين.
وذلك أنه لما ترك العرب مبادئهم وتولوا إلى التصفيق والصفير، وترصيع البيوت والمنازل والحدائق، نقل الله الرسالة ومبادئها إلى الأكراد وانتصر صلاح الدين، ودخل يوم الجمعة، وأذن المؤذن في بيت المقدس، فبكى المسلمون جميعاً مما أثاره ذلك الأذان من خلودٍ وذكريات في أذهانهم، قام الخطيب شمس الدين -وكان شاعراً- فابتدأ بحمد الله وأثنى عليه، وذكر النصر، ثم قال لـ صلاح الدين:
تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن
إلى آخر ما قال، يقول: هذا هو التاريخ والمجد، وهذا هو الجيش، هذا هو اللموع والسطوع، وهذا هو الخلود لك ولأمثالك.
تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن
وعاش صلاح الدين في ضمائرنا، وسوف يعيش إن شاء الله، وعسى الله أن يجمعنا به في دار الكرامة.
لـ أبي الصلت، والد أمية بن أبي الصلت من أهل الطائف من ثقيف مدحٌ لـ سيف بن ذي يزن يقول فيه:
تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ شيبا بماء فعادا بعدُ أبوالا
اجلس بـ غمدان عليك التاج مرتفقاً في قصر غمدان حالاً دونه حالا
إلى أن أتى إلى هذا البيت.
وأنا أذكر قصة، فأستطرد لذكر المكارم والخلود والمبادئ:
دخل ثلاثة من الشباب على عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الزاهد رضي الله عنه وأرضاه، مجدد أمر الأمة الإسلامية وحافظ مبادئها في القرن الأول، فجلس الشباب الثلاثة، فقال للأول: أنتَ ابنُ مَن؟ قال: أنا ابنُ الأمير الذي كان أميراً لـ عبد الملك بن مروان على الكوفة.
فماذا تعني هذه عند عمر بن عبد العزيز؟ لا شيء.
المؤهلات عند عمر بن عبد العزيز غير هذا، فالنسب عند عمر بن عبد العزيز هو: لا إله إلا الله؛ التقوى، الصلاة، قيام آخر الليل، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، حمل الرسالة، نصرة دين الله، أما ابن أمير أو وزير أو جنرال في حرب (١٩٦٧م) أو في العدوان الثلاثي، فهذه كلها خزعبلات، فسكت عمر بن عبد العزيز وأشاح بوجهه.
وقال للآخر: وأنتَ ابنُ مَن؟ قال: أنا ابن شريك بن عرباء، الوزير الذي كان عند الوليد فسكت.
وقال للثالث: وأنتَ ابنُ مَن؟ وكان الثالث -ابن أنصاري- ابن قتادة بن النعمان، الذي شارك مع الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، فضُربت عينه بالسيف فنزلت إلى خده فردها المصطفى عليه الصلاة والسلام بيده- فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فرُدَّت بكف المصطفى أحسن الردِ
إلى آخر القصيدة، فدمعت عين عمر بن عبد العزيز وقال:
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ شيبا بماء فعادا بعدُ أبوالا
ومعنى البيت يقول: أمية بن أبي الصلت: يا سيف بن ذي يزن! تحريرك العرب من أبرهة وأذناب أبرهة والملاحدة والمرتزقة هذا هو المجد، فما هو مجدنا نحن معشر العرب؟
يخرج الواحد منا من الخيمة بقعبان من لبن في كفه فيعطيها، فنقول: هذا أكرم الناس، هذا هو الكرم؛ لكن أكرم من سيف بن ذي يزن وأحسن منه من ثبت على مبادئه وهو صلاح الدين الأيوبي.
تلك المكارم لا قُعبان من لبنٍ وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن
أيها الإخوة الكرام! ومن شعر المبادئ: لماذا كان يقاتل الأشتر؟
تقدم الأشتر إلى محمد بن طلحة بن عبيد الله أحد أبناء الصحابة، فإذا هو سَجَّادٌ ولِيٌّ لله، فأراد قتله، فقال: لا تقتلني، قال الأشتر: ولِمَ لا أقتلك؟ قال: أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله، فسل الأشتر سيفه وقتله، ثم لما قتله قال:
وأشعث قوامٍ بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
شققت له بالسيف جيب قميصه فخر صريعاً لليدين وللفم
على غير شيء غير أن ليس تابعاً علياً ومن لا يتبع الحق يندم
يذكرني (حم) والرمح شاجرٌ فهلا تلى (حم) قبل التقدم
قتلته لأنه ما تبع علياً على المبادئ، فأنا أقاتل من أجل أن تنتصر راية علي، إنهم أهل المبادئ.