هذا جليبيب أحد المساكين من الصحابة، ليست له أسرة معروفة، ولا عنده جسم بهي جميل، وليس عنده مال، ولا يمتلك منصباً يديره، أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في ثيابٍ ممزقة، وفي هيئة الله أعلم بها.
بطنه جائع، وكبده ظامئة، وأعضاؤه هزيلة، ووجهه شاحب، فقال له صلى الله عليه وسلم:{يا جليبيب! ألا تتزوج؟! قال: يا رسول الله! غفر الله لك ومن يزوجني -لا جمال ولا مال- ومرة ثانية يقول له صلى الله عليه وسلم: يا جليبيب ألا تتزوج؟! فيقول: يا رسول الله! من يزوجني لا جمال ولا مال؟} لأن كثيراً من الناس لا يزوج إلا على الدراهم والدنانير، يزوج الرجل إذا رأى عنده ممتلكات وسيارات وشاحنات وناقلات وقصوراً، فيبيع ابنته لذاك الرجل كما تباع الناقة والسيارة، في سوق المزاودة، لا ينظر إلى صلاة ذاك الرجل، ولا إلى صدقه، ولا إلى أمانته، قد يكون هذا الرجل فاجراً سكيراً لعيناً طريداً بعيداً ولكن أنساه ذلك كله مال ذاك الرجل، ومنصبه وسيارته وقصره، فيبيع بنته، فيخسر الدنيا والآخرة فيقول له صلى الله عليه وسلم في الثالثة: ألا تتزوج؟! قال: يا رسول الله! من يزوجني لا مال ولا جمال؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى ذاك البيت من الأنصار، وقل لهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغكم السلام، ويقول: زوجوني بنتكم، هذا مرسوم من كلام محمد عليه الصلاة والسلام:
حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيلُ
فذهب فطرق الباب، قال أهل البيت: من؟ قال: جليبيب، قالوا: مالنا ولك يا جليبيب، فخرج صاحب البيت، فقال: ماذا تريد؟ قال: الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغكم السلام، فارتج البيت بالدعاء والرد: وعليه الصلاة والسلام، قال: ويقول: زوجوني بنتكم، فيقول الوالد: الله المستعان! لأن جليبيباً فقير، وأسرته فقيرة لا مال ولا جاه ولا منصب، يملك ثوبه الممزق، فيقول: أعود إلى زوجتي -لأنها تملك الحق، وتملك هذه المراسيم بما يسمونه حق الفيتو في هذه المواقف- فعاد إليها فقالت: الله المستعان! لو كان غير جليبيب، نزوج ابنتنا جليبيبا! فاجتمعا على أن يردا ويرفضا، فسمعت البنت العابدة الناصحة الصالحة، فقالت: أتردان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليه؟! لا والله فيتوافقان ويتم الزواج، ويدعو له صلى الله عليه وسلم بالخير، فينشئ بيتاً في الإسلام، أساسه على الخير {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[التوبة:١٠٩] أفمن أدخل ابنته بيتاً مسلماً تالياً لكتاب الله مستقيماً ذاكراً لله خير أم من أدخل ابنته بيتاً مغنياً فاحشاً ضالاً ظالماً؟! لا يستوون، وعاشت هذه المرأة في سعادة، وأنجبوا أطفالاً مشاعل في التاريخ، علماء ودعاة.