[الدنيا فانية]
أعرف تاجراً -وهذه قصة ومعي عليها شهود- تاجر شهير توفي في غير المدينة التي كان فيها, أصابه مرض ونقل إلى المستشفى ومات وهو بعيد عن أهله، والله لقد أخذ له كفن من أهل الخير، وهو صاحب ملايين وقصور ومزارع وبساتين وأمور عظيمة, وما وجد كفناً من ماله الخاص، لأن أمواله كلها في البنك وما أخذ شيئاً منها؛ ومات فجأة في المستشفى، فأتى أهل الخير فشروا له كفناً من السوق ثلاثة أمتار من القماش وكفنوه ودخل قبره.
خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن
فانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير اللحد والكفن
يقول عمران بن حطان , وهو خارجي لكنه شاعر مصقاع:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع
أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع
وكثير من هؤلاء الأشقياء الذين ما سعدوا بها لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا نفعتهم؛ تجدهم مصابين بالأمراض، وأكثر مرض السكر عند التجار، وإذا انخفضت الأسهم ارتفع ضغط الدم عند كثير منهم، ولا تجد آثار المال عليه, والفقير ربما يأكل دجاجة كاملة وينام وعنده أطفاله بالبيت, وهذا بالتلفون يتصل وبالبورصة العالمية ويتابع العمال والسكرتير والمستوردين والمصدرين والأسواق, وهو مشغول البال حتى في الصلاة، يقول أحد الشباب: أنه صلى بجانب أحد التجار فقال: بسم الله الرحمن الرحيم كذا مرة، لعلَّ صفقة عرضت له فتذكرها عند دعاء الاستفتاح فأعادها!
أيضاً يقولون: أحدهم مصاب بمستشفى في جدة أصابه مرض تعقد في الأمعاء, التصقت أمعاؤه من سوء التغذية وهو تاجر مليونير، لأنه مسكين لا يجد الكبسات ما عنده وقت, هو يستطيع أن يجعل عمارات من الكبسات لكن ما عنده وقت ليأكل, عنده خبز سندوتش يفطر بها الساعة العاشرة وهي غداؤه وعشاؤه, ويتصل بالهاتف ويكتب الشيكات، حتى التصقت أمعاؤه ثم مرض, فمثل هؤلاء أشقياء نسأل الله السلامة، فيقول عمران بن حطان:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع
أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع
وقال آخر:
دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها
تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها
عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها