للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هدي السلف في المحافظة على الصلاة]

يقول عليه الصلاة والسلام: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} لم يعذر الرسول عليه الصلاة والسلام أحداً في ترك صلاة الجماعة، إلا من عذره الله، مريضاً كأن يكون مرضاً لا يصل به جسمه إلى المسجد، ومع ذلك يقول ابن مسعود: [[والذي نفسي بيده لقد كان يؤتى بالرجل يهادى به بين الرجلين من المرض حتى يقام في الصف]].

مرض أحد التابعين -اسمه ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير - وهو في مرض الموت سمع أذان المغرب، قال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله، أسمع حيّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، وأصلي في البيت، والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما سجد السجدة الأخيرة، من صلاة المغرب، قبض الله روحه، يقول: أهل العلم: كان هذا الرجل في حياته إذا صلى الفجر يقول: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، يعني: الجميلة البديعة الرائعة.

فقال له بعضهم: ما هي الميتة الحسنة؟

قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد.

الميتة الحسنة: أن يتوفاك ربك بعد فريضة أو في صف الجهاد في سبيل الله، أو وأنت على طهارة، أو وأنت في السجود، أو وأنت تطلب العلم، أو وأنت منفق في سبيل الله.

والميتة القبيحة: أن يتوفى الله البعيد وهو على الأغنية الماجنة، أو على السهرة الخليعة، أو على كأس الخمر، أو في سفر في طلب الفاحشة، هذه هي الميتة القبيحة، التي تعوذ منها الصالحون.

وهذا سعيد بن المسيب عالم التابعين، كان بيته في أقصى المدينة، وكان يأتي في ظلام الليل إلى مسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام، قال له إخوانه: [[خذ سراجاً لترى به الطريق في ظلام الليل، قال: يكفيني نور الله]] {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠].

ولذلك في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} هل سمعتم أجمل من هذه العبارة: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة} أفي القيامة ظلمات؟!

أفي القيامة ليل؟

إي والله، ليل أدهى من الليل، وظلمة أدهى من الظلمة، يجعلها الله لأعداء المساجد، وللذين انحرفوا عن بيوت الله، فتظلم عليهم طرقاتهم: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:١٣] فلا نور لمن لا نور له.

كان سعيد بن المسيب عالم التابعين، على عين واحدة، ذهبت عينه، لماذا؟

قالوا: من كثرة البكاء في السحر من خشية الله، وكان يذهب بهذه العين في ظلام المدينة إلى المسجد، يقول في سكرات الموت وهو يتبسم: [[والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد]] فهو قبل الأذان في المسجد، لكن أتى خلف أكلوا نعم الله، وتمرغوا في أيادي الله، ونسوا حظهم من الله، فأصبحت الصلاة في حياتهم من آخر الاهتمامات.

ودع عمر رضي الله عنه وأرضاه سعداً إلى القادسية فأخذه إلى جنب وقال: يا سعد! أوصِ الجيش بالصلاة، الله الله في الصلاة، فإنكم إنما تهزمون بالمعاصي، فأوصيهم بالصلاة.

وكان الصحابة إذا حضر الخوف وامتشجت السيوف، وأشرعت الرماح وتنزلت الرءوس من على الأكتاف تركوا الصفوف لطائفة، وقامت طائفة تصلي:

نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا

حضر أجدادنا الذين فتحوا الدنيا بلا إله إلا الله، حصار كابل عاصمة أفغانستان، فطوقوها من كل جهة، ولبسوا أكفانهم، لا إله إلا الله، لباسهم الأكفان! لأنهم يريدون الحياة في عز، أو الموت في سبيل الله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:٥٢].

إما الموت، وإما الحياة:

فإما حياة نظّم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا

إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا

وقفوا بأكفانهم يحاصرون كابل، ولما صلوا الظهر قال القائد العظيم قتيبة بن مسلم، وقد كان قبل المعركة يبكي ويمرغ وجهه في التراب ويقول: اللهم انصرنا فإن النصر من عندك، فلما وقف بعد صلاة الظهر، وكان جيشه مائة ألف، قال: ابحثوا لي عن الرجل الصالح محمد بن واسع، أين هو؟

وكان محمد بن واسع هو مفتي الجيش، الإمام الزاهد العلامة، قال: ابحثوا لي أين هو في هذه الساعة؟

فهذه هي ساعة الصفر، ساعة يتنزل النصر من السماء، وهي ساعة بيع الأرواح، وتفتح الجنان، واستقبال الحور العين للشهداء، ساعة حضور الملائكة، فالتمسوه فوجودوه، يبكي وقد اتكأ على رمحه ورفع أصبعه يقول: يا حي يا قيوم! فأخبروا قتيبة فدمعت عيناه، ثم قال: والذي نفسي بيده، لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير، وابتدأت المعركة، وانتصر المسلمون وصلوا صلاة العصر داخل كابل.

إنها الصلاة التي هي الحياة، حياة القلوب، إنها الميثاق، والعهد الذي بين الإنسان وبين الله ألا يتركها، ويوم يتركها أو يتهاون بها، أو لا يصليها مع استطاعته جماعة، فاعلم أنه قد أدركه الخذلان، وأن حبل الله قد انقطع منه، وأن اللعنة قد نالته.

عباد الله: إن من أسباب سعادتنا وحفظ الله لنا، ورغد العيش الذي نعيشه، أن نحافظ على عهد الله في الصلاة، وأن نتواصى بها، يقول لقمان عليه السلام لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:١٧].

فهل من مصل؟

وهل من داع إلى الصلاة في أول وقتها؟

وهل من حريص على تلكم الشعيرة العظيمة، التي أتى بها عليه الصلاة والسلام؟

طعن عمر رضي الله عنه في صلاة الفجر، ففاتته ركعة واحدة عندما غلبه الدم، وحمل على أكتاف الرجال، ووصل إلى بيته، فقال: هل صليت؟ قيل: بقيت عليك ركعة، فقام يصلي فأغمي عليه، ثم عقد الصلاة فأغمي عليه ثم أتم الركعة، فقال: [[الحمد لله الذي أعانني على الصلاة، الله الله في الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]] من حفظ الصلاة حفظه الله ومن ضيع الصلاة ضيعه الله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].

وربما أخرت الصلاة عند بعض الناس في ظرف الاصطياف، وهذا الظرف ربما هذا الرغد والأمن والسكينة تجعل بعض النفوس تلهو وتبتعد عن الله، أو تأخر فريضة الله، بحجة النزهة، أو الزيارة، أو التفرجة، فالله الله يا عباد الله في الصلاة، في وقتها، بخشوعها وخضوعها علَّ الله أن يثتبنا ويحفظنا ويرعانا.

فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>