وفي الصحيحين من حديث أنس أنه قال: قدم ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر- وبنو سعد أخوال المصطفى عليه الصلاة والسلام- فلما قدم ضمام بن ثعلبة هذا عقل ناقته في طرف المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم كان متكئاً بين أصحابه، فقال هذا الأعرابي: أين ابن عبد المطلب؟ لم يقل: الرسول ولا ابن عبد الله لأنه لا يزال مشركاً.
والأمر الثاني: أنه لا يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بشهرة جده.
قالوا: هو ذلك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فتقدم فقال:{يا بن عبد المطلب، قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك -وظن المصطفى عليه الصلاة والسلام أن الأسئلة قد تكون فرعية أو جزئية وهو متكئ- فقال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال: آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فجلس عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم نعم، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال: آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، ثم ولّى وفك عقال ناقته وخرج من المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}.
عقيدة فهمها في دقيقتين أو ثلاث دقائق, عقيدة سهلة بلا التواء أو ارتباك أو اضطراب، عقيدة عرفها هذا الأعرابي وهو واقف عند الرسول عليه الصلاة والسلام وشهد بها, وشهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة إذا صدق مع الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في آياته الكونية:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}[الذاريات:٤٧ - ٤٨].