للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عائشة تتكلم والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت]

يقول البخاري: (باب حسن المعاشرة مع الأهل) يقول: كيف يكون المسلم مع أهله في حسن المعاشرة، وفي وطء الكنف ولين الجانب وفي السهولة كيف يكون؟ ثم يأتي بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم مع عائشة، ويظهر لنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مع كثرة أشغاله وأعماله وارتباطاته وما يأتيه من نوائب، بل أمور الأمة تدار على كفه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأحداث الأمة وجهادها وإدارتها وقيادتها؛ ومع ذلك وجد وقتاً يستمع إلى مثل هذا الكلام، وهذا من لين جانبه وحلمه ومن بره عليه أفضل الصلاة والسلام، كما قال تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].

ثم أتى البخاري يتكلم بهذه القصة العجيبة الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب عائشة أكثر من سائر نسائه، وكانت عائشة مع ذلك بنت أبيها، فـ أبو بكر أحفظ الناس وأفصحهم وأصفحهم يحفظ السير والأنساب والأخبار والأشعار، وإذا تكلم أبو بكر في مجلسٍ من مجالس العرب سكتوا جميعاً، فأتت ابنته عائشة تشبهه، ومن يشابه أبه فما ظلم.

تلك العصا من هذه العُصية لا تلد الحية إلا حية

فكان عليه الصلاة والسلام يأنس لحديث عائشة، ويسألها عن أخبار الناس؛ لأنها -كما قال الزهري: كانت تحفظ ثمانية عشر ألف بيت شعر، وكانت تحفظ أخبار العرب، وما وقع أيام العرب وقصص العرب، وفي غدوة من الغدوات جلس عليه الصلاة والسلام مستريحاً هادئ البال مطمئن النفس، فأخذ يداعب ويمازح زوجته المبرأة الطاهرة الصديقة بنت الصديق، فأخذت تقول: يا رسول الله! جلس نسوة تلف بهم الدهر وهؤلاء النساء قال أبو محمد بن حزم الظاهري: هن من خثعم، وهي من قبائل الجنوب الشهيرة في التاريخ، ومن هذه القبيلة الخثعمي الذي يقول:

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجدي

ومنها الشنفرى الأزدي صاحب لامية العرب، وكثير من الأخيار والشعراء.

فقال أبو محمد بن حزم، قال: هن من خثعم وقال بعضهم: هن من اليمن.

ولا يهمنا أن يَكُنَّ من اليمن أو من غطفان أو من خثعم أو مدغشقر، إنما الفائدة أنهن جلسن فاسمع الكلام.

فتقول عائشة والرسول ينصت، معلم الخير ومربي الإنسانية ينصت إلى الكلام، وفي الأخير سوف يعلق عليه الصلاة والسلام بكلام.

قالت تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم: {جلس إحدى عشرة امرأة فتعاقدن وتعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً} إحدى عشرة امرأة خلا لهن الجو

خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري

خرجن من البيوت واجتمعن، قال أهل العلم كما قال ابن حجر: إذا اجتمع النساء فأكثر حديثهن في الرجال، وإذا اجتمع الرجال فأكثر حديثهم في المعاش.

أي: في الدخل والكسب والراتب والتقاعد والزيادات والعلاوات، وربما يخلطون كلاماً من كلام النساء، أي: يتحدثوا في النساء، لكن هذا في النادر، أما إذا اجتمعت اثنتان من النساء المتزوجات، فأكثر كلامهن في الرجال، ماذا فعل زوجها وماذا صنع؟ أخلاقه معاملته زياراته صلته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>