[مواقف من جحود المشركين]
خرج عليه الصلاة والسلام -والحديث صحيح- وإذا بكفار قريش جلوس في المسجد الحرام، ومنهم: أبو جهل، فقال عليه الصلاة والسلام: قولوا لا إله إلا الله.
فقال أبو جهل: أقسم باللات والعزى لا أؤمن لك حتى تشق لي هذا القمر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفئن شققته بإذن الله تؤمنون؟ قالوا: نعم.
فدعا الله أن يشق له القمر، فشق الله له القمر فلقتين، فقال لهم: آمنوا.
فنفضوا ثيابهم وقاموا يقولون: سحرنا محمد سحرنا محمد.
ولذلك من أسلوب السخرية بهم يوم العرض الأكبر يعرض الله لهم النار ويقول: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:١٥] أهذا سحر مثل القمر أو غير ذلك؟ {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:١٦].
فيقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى معلقاً على هذا الموقف: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:١ - ٣].
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١ - ٢] وفي الآية قضايا:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ولم يقل يا أيها الذين آمنوا؛ لأن الخطاب عام يدخل فيه كل من كان إنساناً، فهو للمؤمنين ولغيرهم.
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج:٢] والمرضعة هي التي ترضع في التو والحال ابنها وطفلها وتضعه على ثديها ثم تقوم الساعة؛ فلا تدري من الهول فيقع الطفل في الأرض ولا تدري أنه وقع على الأرض!
{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج:٢] قالوا: سكارى من الخوف الشديد ومن هول الأمر وليس من الخمر، أي لم يسكروا من الخمر وإنما من هول ما رأوا، فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يتحدث عن أصناف من المشركين الذين أعرضوا عن اليوم الآخر وكذبوا به وتولوا عنه واستهزءوا بالبعث بعد الموت وهم ثلاثة: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو جهل.
أما الوليد بن المغيرة فرزقه الله عشرة أبناء منهم خالد بن الوليد سيف الله المسلول: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الروم:١٩] فالميت هو الوليد والحي هو خالد، حي بالإيمان، وكان خالد قبل الإسلام ميتاً، كان ميتاً يوم ما عرف لا إله إلا الله، ولم ير النور حتى هداه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢] فلما رأى النور وأبصر الضياء وعرف لا إله إلا الله أصبح حسنة من حسنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاض في الجاهلية وفي الإسلام مائة معركة ما هزم في معركة واحدة!!
تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
وأبوه كفر بالله، وأعرض عن لا إله إلا الله، وكان ليله غناء وزنا وشرب خمر وربا وتخلفاً عن فرائض الله، ونهاره سفكاً وسلباً وتكذيباً، قال الله حاكياً عنه:: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:١١ - ١٧] قال أهل العلم: "صعودا" جبل في النار -نعوذ بالله منه- يصعد فيه المعذب مائة عام فإذا قارب أن ينهي رأس الجبل سقط على أم رأسه في وسط جهنم ثم عاد من جديد.
أما العاص بن وائل فقد كان له سيوف يصقلها عند خباب بن الأرت وخباب عبد ومولى وكلنا عبيد لله، ولكن خباب أصبح منارة من منارات الإسلام.
بلال وخباب وسلمان من أهل الجنة، وأبو جهل والعاص وأبو لهب من جثث جهنم، فهذه الأنساب ألغاها محمد صلى الله عليه وسلم إذا كانت تمييزاً عنصرياً، وإذا كانت استعراضاً للأسر.
فذهب خباب بن الأرت إلى العاص بن وائل فقال: أعطني أجرة السيوف التي صقلتها.
قال: أتؤمن باليوم الآخر؟ - يستهزئ به- قال: نعم أؤمن.
فذاك يؤمن باليوم الآخر وهذا لا يؤمن، قال: فإذاً دعني، فإذا بعثني الله وإياك في اليوم الآخر سوف أقضيك هناك فعندي أموال وأولاد؛ فأنزل الله رداً عليه: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:٧٧ - ٨٠] فهذه قضية العاص بن وائل المجرم، الذي كفر باليوم الآخر، وهو صاحب العظم الذي حته أمام الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقول أبو جهل: يا معشر قريش لا يهمكم -محمد عليه الصلاة والسلام- يتوعدكم بالزقوم يوم القيامة، أتدرون ما الزقوم؟ قالوا: ما ندري! قال: الزقوم: التمر والسمن.
فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:٤٣ - ٤٩] يقول -سخرية به- ذق هذا الزقوم سواء كان تمراً أو سمناً، وفسره أنت كما تريد وكما تتصور فوالذي لا إله إلا هو لتذوقنه؛ لأنك كنت عزيزاً بجاهليتك وكفرك في قومك.