[توسط أهل السنة بين أهل الرأي البحت وأهل الظاهر الصرف]
فـ أهل السنة وسط بين أهل الرأي البحت وأهل الظاهر الصرف.
ففي الواقع توجد مدرسة متوسطة ومدرستان متطرفتان، مدرسة في الفقه -في الفرعيات- ترى أنه لا بد بأن يقلد الشخص أهل المذاهب، ويأخذون المتون فيحفظونها حفظاً ويحكمونها في الناس، ولو خالفت الأدلة، حتى لو رددت على أحدهم، قال: لا.
هذا موجود في الكتاب، تقول: الحديث في البخاري، قال: لا.
الشيخ أعلم بهذا، أبو حنيفة أعلم، والإمام أحمد أعلم، تقول: الدليل، قال: ما ندري، إنما موجود في المتن هذا، فيحكم آراء الناس ولو صح الحديث بخلاف ذلك، وهذا خطأ.
وقابلتهم مدرسة متطرفة، -وقد ذكر المدارس الثلاث ابن تيمية، في أول كتاب الاستقامة: مدرسة الرأي ومدرسة الظاهر وذكر أن أهل الحديث وسط- فقابلهم أهل الظاهر، قالوا: لا.
مَن أحمد هذا؟ هو رجل ونحن رجال.
ثم يأخذون الحديث ولا يعرفون أهو صحيح أو ضعيف ناسخ أو منسوخ، فيعملون به، وتجد أحدهم يأخذ كتب الحديث ويجتهد ويفتي وعمره ست عشرة سنة، فيطوي رجله تحته ويقول: والذي تطمئن إليه نفسي، وأرى أن الإمام مالك أخطأ في هذه المسألة، وأرى أن الشافعي لم يهتد للصواب في هذه الجزئية، فنقول رويدك:
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
أو قول جرير:
وابن اللبون إذا ما شد في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
وتوسط أهل الحديث، فقالوا: نأخذ الدليل ونستفيد من أفهام وأفكار الأئمة الكبار، لأنهم أفهم منا وأحسن عقلاً وإدراكاً ووعياً، فنأخذ فهمهم، ونترضى عليهم، ولا نجعلهم معصومين، فالمعصوم محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الصحيح.