للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معركة القادسية]

يأتي الصحابة في القادسية وهم ثلاثون ألفاً، ويقابلهم من فارس العجم الكافر مائتان وثمانون ألفاً، ونحن لم نقاتل الناس بقوات، كنا نقاتلهم بإيمان مع نسب من القوة كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال:٦٠] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧].

يأتي سعد بثلاثين ألفاً لكن الواحد منهم يحمل إيماناً بالله العظيم، يقدم دمه قبل جسمه في المعركة، يقدم روحه لله، يحمل روحه على كفيه، وكان هذا الدين أحب ما في الأرض كلها إليه، يحضر المعركة فيأخذ غمد سيفه فيكسره على ركبته ويقول: يا رب! أسألك أن تأخذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، هذه أمة الحب والإيمان والطموح، يصلي بهم سعد رضي الله عنه قبل المعركة، وكانوا ثلاثين ألفاً كما أسلفت، يكبر فيكبرون، ويركع فيركعون، ويرفع فيرفعون، فينظر رستم قائد فارس وهم مائتان وثمانون ألفاً فيغضب ويقول: علم محمد الكلاب الأدب.

يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام.

كنا أمة مبعثرة متخلفة، لكن علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نأخذ المجد، وقبل المعركة يقول رستم لأحد جواسيسه وعيونه واستخباراته: اذهب في الليل وادخل في جيش المسلمين، ثم تعال وادخل في الليل في جيشي؛ لترى ماذا يصنع الجيشان.

فذهب هذا الجندي الفارسي العجمي الوثني فدخل في جيش المسلمين.

ماذا سوف يجد جيش المسلمين؟ إنه سيجد عباداً.

عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه

وأسد غاب إذ نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه

يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه

إنه مجد أضعناه يوم تأخرنا في آخر ركب الأمم، والله إنه لمجد خسرناه يوم تقهقرنا، وأصبح إخوان القردة والخنازير من إسرائيل وأمثال إسرائيل تغطي شمسنا بطائرات الميراج، كما يقول شاعر العرب:

فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب

شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا

لكن المسلم في ذاك الزمن يقول: لابد أن تحكم شريعة الله عز وجل.

وقبل العركة وصل هذا الفارسي ودخل في جيش المسلمين، فوجد هذا يتلو كتاب الله في الليل قبل المعركة بليلة، ووجد حلقة هنا تتدارس الحديث ويتباكون على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووجد نفراً آخر يستعد للمعركة يريش السهم ويبريه، ويرفع السيف ويحاذيه، وينكت الرمح ويوازيه؛ ليستعدون للقاء الله، ووجد سعداً مع أركان قيادته يجتمع اجتماعاً خاصاً ليكثر الدعاء والإلحاح على الله، فالنصر لا يأتي إلا من عند الواحد الأحد، النصر يأتي من فوق سبع سماوات، النصر والتمكين في الأرض من الله عز وجل، {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:٤١] ثم خرج هذا الجندي الفارسي إلى جيش فارس؛ فوجد هذا الجندي جندياً سكران ولهان وكأس الخمر بيده، غارق في المعصية، وإذا عصي الله في الأرض، مقت وأخزى ولعن سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ووجد جندياً آخر يشارك فتاة في الفاحشة، ورأى بقية الجنود وهم سكارى وما هم بسكارى ولكنهم في نوم عميق.

ورجع إلى رستم القائد الأعلى فأخبره، فعض أنامله وأخذ يتلوم على أصابعه ويقول: الهزيمة الهزيمة، سلام على العراق لا عراق بعد اليوم.

لقد عرف نتيجة المعركة قبل المعركة، وأتى سعد بن أبي وقاص في الصباح، الذي قام في الليل فلبس أكفانه من تحت الثياب، يقول محمد إقبال وهو يتكلم في جيش أفغانستان يوم زار ظاهر شاه:

كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم من فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الكنز والديناراً

أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

<<  <  ج:
ص:  >  >>