[من أشعار النكبات]
أصابت مصر هزة أرضية بالذنوب والخطايا، فنحن لا نقول كما يقول الطبائعيون الماديون: قشرة أرضية انكسرت، نعم.
ولكن من الذي كسرها:
تقضون والفلك المسير سائرٌ وتقدرون فتضحك الأقدار
من الذي يبدي ويعيد، ويعز ويذل، ويخلع ويعزل، ويقوي ويضعف، ويعطي ويمنع؟
إنه الله.
هز مصر في عهد الفاطميين زلزال، فخاف الخليفة الفاطمي وقيل الحاكم بأمر الله وقيل ابنه- من هذه الهزة، فأتاه العلماء، وقالوا: احذر من سخط الله، هذه بسبب الذنوب، فحاول أن يتوب، فدخل عليه شاعر، وقال: لا ليست بالذنوب.
ما زُلْزِلَت مصر من كيدٍ ألمَّ بها لكنها رقصت من عدلكم طربا
يا سلام على الخيبة! وعلى قلة الحياء من الله! وعلى قلة المبادئ!
شاعر الأندلس الحسن الذي ذكره الذهبي وترجم له، ثم فضحه في آخر الترجمة، يقول: مبدع! لكنه كلب دخل على السلطان، يقول:
ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ فاحكم فأنت الواحد القهارُ
فعلمه الله مَن هو الواحد القهار! أصابه مرض عضال حتى كان يتقلب على فراشه، ويقول:
أبعين مفتقرٍ إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالق
لستَ الملوم أنا الملومُ لأنني علقت آمالي بغير الخالقِ
الأدب الذي يجعل من السفاك حليماً حكيماً، ومن المجرم عبقرياً فاتحاً: يا درة الزمان! يا فاتح الدنيا! يا بركة الوقت! بوجودك سالت الأمطار، وكثرت الأشجار، ورخصت الأسعار، وبردت درجات الحرارة.
فيقولون: إنه لما سمع عضد الدولة -وكان فتاكاً- بما قيل في ابن بقية، وكذلك ما قيل في الديلمي الذي مدحه أبو الطيب المتنبي بقصيدته الرائعة التي يقول فيها:
فداً لك من يقصر عن فداكا فما ملك إذاً إلا فداكا
إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٌ تبين من بكى ممن تباكا
يقولون: يقول عضد الدولة: والله الذي لا إله إلا هو لوددتُ أني قُتِلْتُ وصُلِبتُ وقيلَتْ فيَّ هذه القصيدة، فما دام المسألة مسألة مجد وشهرة وددت أنها قيلت فيَّ (علو في الحياة وفي الممات).