وقد ذكرت ما فعل معاوية وعبد الله بن الزبير، فقد كانت لهما مزرعتان في المدينة، مزرعة لـ معاوية، وكان ملك الدنيا يحكم ما يقارب عشرين دولة في دمشق وابن الزبير راعي من رعيته له مزرعة.
فأتى وبينهم حزازات وإحن قديمة، فأتى عمال معاوية فدخلوا في مزرعة ابن الزبير، فكتب ابن الزبير وكان حاداً غضوباً رضي الله عنه على شجاعته وعبادته:
[[بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله بن الزبير إلى معاوية بن هند آكلة الأكباد -يعيره بيوم أحد يوم أكلت أمه كبد حمزة - أمَّا بَعْد:
فقد دخل عمالك مزرعتي، فوالذي لا إله إلا هو إن لم تمنعهم ليكونن لي ولك شأن]] وما هو الشأن؟! معاوية عنده تسعون ألف مقاتل في دمشق، حضر بهم صفين والمعارك وأنت ليس عندك أحد! بل قال بعضهم أنه قال:[[من عبد الله بن الزبير بن حواري الرسول وابن ذات النطاقين، إلى معاوية بن هند آكلة الأكباد]].
فأتى الرسول معاوية فقرأ الرسالة وكان حليماً يضرب به المثل في الحلم -يقول أهل العلم: تعلم عمر بن عبد العزيز الحلم من معاوية - فاستدعى ابنه يزيد، وكان متهوراً -وهذا يقوله الذهبي وغيره- فعرض عليه الرسالة، قال: ماذا ترى أن نجيبه، قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة وآخره عندك في دمشق يأتون برأسه -وباستطاعته أن يفعل- قال: لا.
بل خير من ذلك وأقرب رحماً، لأن بينهم رحماً.
فكتب بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير بن حواري الرسول وابن ذات النطاقين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد فلو كانت الدنيا بيني وبينك ثم سألتها لسلمتها لك، فإذا أتاك كتابي هذا فضم مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك فهي لك، والسلام.
وصلت الرسالة ابن الزبير، فقرأها ابن الزبير فبلها بالدموع، وذهب إلى معاوية في دمشق وقبَّل رأسه، وقال: لا أعدمك الله الذي أنزلك هذا المنزل من قريش.
هذا العقل والتصرف وهذه الحكمة والإرادة القوية، لكننا نريد أن نصل إلى هذه المستويات فنعثر ونصل إلى درجة فنهبط، فنحاول ونكرر ونفعل كما تفعل النملة في محاولات، ولعلها المحاولة الواحدة بعد المائة أو الواحدة بعد الألف، ومن يدري فإننا في عصر تدريب وفي عصر تلق وتربية.
أسأل الله أن يزيدنا وإياكم توفيقاً وهدايةً ورشداً.