بعض الأمم تغتر بكثرة جيوشها، وأعدادها، وترهب العالم بها ومن هذه الأعداد أحياناً ما يكون خيالياً، ومجازفاً فيه، يرهبون بأعداد الجيوش، وينسون أن قوة الله لا تغلب، والصحابة قد مضت بهم التجربة، فقد كانوا في بدر ثلاثمائة والكفار ما يقارب ألفاً، وانتصروا عليهم، ولكنهم كانوا في حنين اثني عشر ألفاً، فنظر أبو بكر إلى كتائب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي اثنا عشر ألفاً ليس عدداً سهلاً بل في الحديث الحسن:{لن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة} أي لا يغلبون بسبب القلة، لكن قد يغلبون بسبب آخر، فيقول أبو بكر:[[لن نغلب اليوم من قلة]].
فأراه الله وأرى الصحابة أن السر ليس في الكثرة والقلة، بل السر في النصر ولا إله إلا الله، فلما بدأ الهجوم، ذهب الاثنا عشر ألفاً وفروا، ولم يبق منهم إلا ستة، فيقول سبحانه:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}[التوبة:٢٥].
أنتم في بدر كنتم قليلي العدد، لكن كنتم صادقين بـ (لا إله إلا الله) والثقة بـ (لا إله إلا الله) وحمل لا إله إلا الله، وأنتم في حنين اثنا عشر ألفاً، لكنكم وليتم.
إذاً لا تنفع الكثرة، ولا تنفع القوة العاجزة المنفصلة عن الاتصال بالله عز وجل، أبداً.
وإذا نظرنا إلى الفرس فقد كان عددهم ما يقارب مائتين وثمانين ألفاً، ومع سعد بن أبي وقاص قيل ثمانية وعشرون ألفاً وقيل أربعة وعشرون ألفاً في القادسية، وسحقهم سحقاً، ودمرهم تدميراً.
وكان الروم ثلاثمائة ألف، وخالد بن الوليد معه ثلاثون ألفاً، فألقاهم في النهر مثل الجرذان، وصبهم على وجهوههم في النهر، ودخل بهم في هذا المضيق، وحاربهم في مضيق حتى سحبهم بالسلاسل وانتصر، لأن الله معه.