[عدم حب مجالس الخير يزيد في مرض القلب]
تدعوه إلى درس وإلى محاضرة قال: الحمد لله الناس عندهم خير وتعلموا، الإعلام يبث، والصحف تعلم، والتلفاز والراديو لم يعد هناك جهل!! سبحان الله! سعيد بن المسيب علامَّة التابعين وسيد التابعين يجلس مع مولى في المدينة يتعلم منه قالوا: ما لك وأنت عالم الناس تجلس معه وهو من تلاميذك؟ قال: لأن الله يغشى هذه المجالس بالرحمة فأريد أن يغشيني معهم, هم القوم لا يشقى بهم جليسهم, الله يقول لهذه المجالس: {انصرفوا مغفوراً لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم, فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً إنما أتى هكذا} لأن بعض الناس يأتي لا لغرض المحاضرة ربما يريد مفتاح السيارة ومفتاح زميله لكن تورط زميله في الصف الأول فينتظر متى يقوم, أو رأى السيارات اجتمعت وأغلقت عليه طريق سيارته ولا يخرج إلا في آخر الدرس فجلس، قال: {وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}.
وقف سفيان الثوري يوم عرفة فبكى, يوم الحج الأكبر يوم يتجلى الله للناس, فقال: [[يا رب! إنك تغفر للجليس بجلسائه اللهم فإني لا أعلم أفجر مني في أهل الموقف اليوم، اللهم فاغفر لي معهم]] سفيان الثوري؛ سيد التابعين، زاهد الدنيا, أمير المؤمنين في الحديث، يقول: إنه أفجر أهل عرفات!
يقول عبد الله بن المبارك -وهذه ليست قصيدة الشافعي -:
أحب الصالحين وأنا لست منهم وأبغض الفجار وأنا أفجر منهم
سبحان الله يا هذا التواضع!! ابن المبارك يقول أحد تلاميذه: سافرنا معه فرأيناه يقرأ كما نقرأ في المصحف, ويصلي كما نصلي, ويصوم كما نصوم, قلت في نفسي: سبحان الله! يصلي ابن المبارك كما نصلي، ويصوم كما نصوم، ويقرأ القرآن كما نقرأ القرآن، فلماذا رفعه الله علينا؟! قال: أتى ليلة من الليالي ونحن في غرفة فانطفأ علينا السراج, فذهبنا نلتمس السراج فأتينا به فلما أسرجناه فإذا دموعه من رأس لحيته, قلنا: ما لك؟ فأخذ يكفكف دموعه قال: والله تذكرت القبر بهذا البيت, فقال التلميذ: فعلمنا أن الله رفعه بالخشية.
يقول الذهبي في كتاب قضِّ نهارك مع ابن المبارك -كتاب ذكروا عنه لكني ما رأيته مطبوعاً لكنه مكتوب في ترجمته: قض نهارك مع ابن المبارك - حج من خراسان فقال لأهل خراسان: من يريد منكم الحج؟ فأخبروه قال: من يريد الحج منكم فليدفع نفقته التي يحج بها, فدفعوا النفقة فوضع كل إنسان نفقته في صرة فأخذ نفقاتهم فوضعها في صندوق في بيته وأغلق عليها, وأخذ من ماله وكان تاجراً غنياً أغناه الله عز وجل فأنفق عليهم في طريق الحج حتى ذهبوا إلى مكة , ثم زاروا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم, ثم قال: اشتروا لأصحابكم هدايا من أموالكم كأنه ينفق عليهم من مالهم, فاشتروا هدايا لأهلهم, فلما عادوا إلى خراسان ضيفهم جميعاً ثم أخرج الصندوق فوزع عليهم أموالهم جميعاً, قالوا: كيف وقد صرفناها؟ قال: الله يبارك للحاج في نفقته, وهو لم يصرف من أموالهم درهماً, والحجة الثانية حج بها من خراسان , كان أهل خراسان إذا خرج ابن المبارك يبكون كلهم من أطفال ونساء حتى اليهود, يقول:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نجمها وهلالها
إذا ذكر الأخيار في كل بلدة فهم أنجم فيها وأنت هلالها
خرج بهم فأصبح عند الكوفة يريد الحج، فخرجت امرأة ضعيفة مسكينة فأتت إلى مزبلة فوجدت غراباً أو طائراً ميتاً في المزبلة فأخذته, وذهبت إلى البيت فقال: الله المستعان! قم يا فلان فاسألها لماذا أخذت هذا الغراب؟ فطرق عليها الباب قال: لماذا أخذت الغراب؟ قالت: والله ما لنا طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى من ميتة في هذه المزبلة, فرجع وأخبر ابن المبارك فبكى! وقال: سبحان الله! نأكل الفالوذج -وهي حلوى من الدقيق والماء والعسل- وهؤلاء يأكلون الغربان الميتة, عودوا بالقافلة واصرفوها لأهل هذه القرى وأخلف الله عليكم وأستودعكم الله في حجتكم في هذه السنة أي: لا حج, فصرفوا جميع القوافل بما عليها من ثياب وحبوب وزبيب ولحم وبر، وعاد بالجمال ليس عليها شيء إلى خراسان وترك الحج, فنام أول ليلة, ورأى قائلاً يقول في المنام: حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور, فرضي الله عنه وأرضاه وعن أمثاله من الصادقين المخلصين.
وإنما تكلمت عن هذه النماذج لأنها دائماً توصلك إلى رضوان الله الواحد الأحد, وتقربك من طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالغفلة تعتري القلوب يوم أن تعرض عن طاعة الله عز وجل، وتجدها في الناس بألسنتهم لا يحبون الذكر ولا استماع الخير ولا القرب من المذكرين والواعظين, يقول عطاء بن أبي رباح: [[مجلس الذكر يكفر سبعين مجلساً من مجالس اللغو]] كم جلسنا مجالس اللغو، كم استمعنا للغناء، كم ضعنا في حياتنا، مجلسك مرة واحدة هنا أو هناك في مجلس من بيوت الله يكفر عنك سبعين مجلساً من مجالس اللغو, فهنيئاً لكم، أنتم في روضة من رياض الجنة.