للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العلم المذموم]

أما العلم المذموم: فهو الذي لا يعمل به صاحبه، نعوذ بالله من ذلك، ونسأل الله العافية والسلامة.

يقول سبحانه وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦] فهذا لم ينفعه علمه، فلعنه الله في الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من ذلك.

ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:١٠٢] يقول هنا: (يتعلمون) علم السحر المذموم أو علم الشعوذة أو علم النجوم، {فمن تعلَّم علم النجوم فقد استزاد شعبةً من الشرك زاد ما زاد} أي: أنه كُلَّما زاد من علم النجوم أو من هذه العلوم، فقد زاد شعبة من الشرك والنفاق؛ إلا من يتعلمها لمعرفة أوقات الصلاة، أو لأمور تهمَّ المسلمين.

أما من يقطع عُمره في مثل هذه العلوم التي لا تنفع، أو العلوم المحرمة، فإن بعض أهل السنة يقولون: " من تعلم السحر كفر".

و {حد الساحر ضربة بالسيف} نعوذ بالله من ذلك، وليس هذا محل بسطها.

ومن العلم المذموم أيضاً: أن يذهب الإنسان حياته كلها في علم لا ينفع كثيراً، كعلم الأنساب، فيعرف أن هذه القبيلة تنتسب إلى قحطان، وقحطان إلى فلان، وفلان إلى علان، فهذا علم يذهب الأعمار ولا ينفع أبداً، ولذلك {دخل صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى قوماً مجتمعين في حلقة، قال: ماذا يتعلَّم هؤلاء؟ قال: يتعلمون الأنساب.

قال: هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر} وما يضرك يوم القيامة؟ هل تظن أنه يسأل الإنسان في القبر، أو يسأل يوم القيامة عن قبيلة قحطان أو غيرها ماذا تنتسب إليه؟ هذا ليس من العلم الذي يُحمدِ، إنما الذي يُحمد كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {تعلَّموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم} تعرف أن هذه قريبة فتصلها، وهذا قريب، وهذا عم، وهذا خال.

ومن العلوم التي إذا أذهبت الأعمار وأصبحت مذمومة: علم الشعر والأدب، وهو قضية الساعة عند العلماء، وقضية التركيز في الساحة، وأكثر ما شغل الناس خاصَّة المثقفين في المجالس، الشعر الحداثي، والشعر المقفى، وهذا الأدب، فمن أذهب عمره في هذا فهو مذموم، مأزور غير مشكور ولا مأجور، ماذا قدم للإسلام؟ يحفظ قصائد الناس جميعاً، ولم يشتغل بالكتاب ولا بالسنة، وإنما يُطلب من الأدب ما جمل في الدعوة، وبمجالس العلم فحسب، أما من أذهب عمره في هذه الأمور فهو مذموم.

ومن العلوم المذمومة من أذهب عمره وليله ونهاره في بعض الأمور الجزئية كالجغرافيا، الناس يتهجدون وهو يبحث عن عاصمة أسبانيا، وأهم المنتجات فيها وماذا تصدر؟ وماذا تنتج؟ ومن هو وزير خارجيتها؟ ومن تولى؟ ومتى استقلت؟ ثم يذهب عمره ويشيب وهو على هذا المستوى، وأين تقع جبال الهملايا وكم قدماً ترتفع عن البحر؟ فهذا علم إنما يُعرض للناس، ليبين قدرة الله في الأرض، فمن أذهب عمره فيه فهو مأزور لا مشكور ولا مأجور.

لكن هناك علوم قد يحتاج إليها المسلمون.

يقول الشافعي: " العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان ".

علم الأديان: الكتاب والسنة ويكفينا.

وعلم الأبدان: علم الطب، وهو من أشرف العلوم إذا استصحب صاحبه تقوى الله عز وجل والعمل الصالح، فإن الطب من أحسن ما يكون لحاجة المسلمين؛ حتى إن بعض أهل العلم أوجبه إيجاباً؛ أن يتعلم الناس الطب؛ لأنه إذا كان أطباؤنا يهوداً ونصارى لا نأمن أن يقتلونا وقد فعلوا، حتى إنهم عملوا عملية لبعض المرضى وكان عنده زكام فبتروا رجله، وقالوا: هذا مرض مستعصٍ.

وكذلك العلم المحمود: مثل علم الهندسة، بشرط أن يكون صاحبه مقيماً لشرع الله، وصالحاً في ذات الله عز وجل، حسب حاجة المسلمين إلى هذا العلم، وقد أُثِرَ عن ابن تيمية أنه قال: " لو احتاج المسلمون إلى إبرة تصنع، ثم لم تصنع عندهم ولم توجد لأثموا جميعاً" لكن نحن لا ننتج لا إبرة ولا أكبر ولا أصغر؛ حتى الطباشير التي نكتب بها على السبورة تأتي من دولة مستوردة إلينا، حتى القليل والكثير، ملبوسنا ومشروبنا، ومركوبنا، وبيوتنا، وكتبنا، ودفاترنا، وحقائبنا، كلها مستوردة والحمد لله، إنما نحن نجيد الأكل والشرب والجلوس وغير ذلك من هذه الأمور، لكننا نسأل الله عز وجل أن يُوفقنا لطاعته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>