حال الدنيا منغصة اللذات، كثيرة التبعات، جاهمة المحيا، كثيرة التلون، مُزجت بالكدر، خلطت بالنكد، وأنت منها في كبد.
دار متى أضْحَكَت في يومها أبكَتْ غداً، قُبحاً لها من دار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلباً في الماء جذوة نار
طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار
لن تجد ولداً أو زوجة أو صديقاً أو نبيلاً أو مسكناً أو وظيفة إلا وفيه ما يكدر، وعنده ما يسوء أحياناً، فأطفئ حر شره ببرد خيره، لتنجو رأساً برأس {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}[المائدة:٤٥].
أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة للضدَّين والنوعَين والفريقَين والرأيَين، خير وشر، صلاح وفساد، سرور وحزن، ثم يبقى الخير كله والصلاح والسرور في الجنة، ويُجمع الشر كله والفساد والحزن في النار، وفي الحديث:{الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، أو عالم ومتعلم}.
فعش واقعك، ولا تسرح مع الخيال، ولا تحلق في عالم المثاليات، اقْبَل الدنيا كما هي، وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها، فسوف لا يصفو لك صاحب، ولا يتم لك فيها أمر، ولا يصلح لك حال؛ لأن الصفو التمام والكمال في الآخرة، وفي الحديث:{لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر} فينبغي أن نسدد ونقارب، وأن نعفو ونصفح، وأن نأخذ ما تيسر، ونذر ما تعسر، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف:١٩٩].
ومن ذا الذي تُرْضَى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبُه
إذا أنت لم تشرب مراراًَ على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربُه!
...
ولستَ بمستبق أخاً لا تذمه على شعث أي الرجال المهذبُ!
فلنُغْمِض الطرف أحياناً، ونسدد الخطى، ونتغافل عن أمور.